ويدل على ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة لقمان ، الآية : ٤ ـ ٥] فأكد سبحانه وتعالى من حيث تكرار نفس الآية وتكرار الضمير «هم» فيها تأكيدا بليغا كاشفا عن أهمية المورد.
قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
الفلح : الشق والقطع. وأصل الفلاح الظفر بالمقصود والفوز بالمطلوب بعد الكد والاجتهاد فكأنه قد قطع المصاعب حتّى نال مقصوده ولا يطلق إلّا في الخير ، فالمفلحون هم الذين أدركوا وأمنوا مما منه فزعوا في الدنيا والآخرة كما هو مقتضى الإطلاق.
والآية في مقام بيان حال المتقين فإنّ اتصافهم بالصفات المذكورة يقتضي فوزهم بالهداية والفلاح ، وكل من الهدايتين بتوفيق من الله تعالى الأولى بالنسبة إلى الحدوث والثانية بالنسبة إلى البقاء ، أو أن الأولى بالنسبة إلى بعض المراتب والأخرى بالنسبة إلى ما فوقها. وعليه يكون المشار إليه به «أولئك» في الموضعين واحدا وهم المتقون. وقد رتب الفلاح على التقوى في آيات كثيرة ، قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ١٠٠] ، وقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٠٠] ، وقال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [سورة الأعلى ، الآية : ١٤] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
وتكرير الإشارة وذكر ضمير الفصل «هم» للدلالة إلى رفعة مقام المفلحين وإعلانا لعظمة شأنهم.
وذكر حرف الاستعلاء في قوله جل شأنه «على هدى» إشارة إلى استيلائهم على الهداية ورسوخها فيهم وشدة تمكنهم منها ، ولا ريب في ذلك فإن المواظبة على شيء والقيام به كما هو حقه يوجب اتصاف النفس به وارتسامه فيها فيصير طبيعة ثانوية ربما تغلب الطبيعة الأولية كما هو المشاهد في بعض النفوس.
كما أن تنكير لفظ «هدى» يفيد العظمة وعدم محدودية الهداية بحد لأنها