والضلالة ، بل هو يقضي ذلك على الخلق بحسب اختيارهم وإرادتهم ، فيكون المقام نظير قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [سورة الأنفال ، الآية : ٢٣].
والحاصل : إن الأمور التكوينية الجارية على مجاريها الطبيعية لها إضافتان اضافة إلى فاعلها المباشري فتنسب إليه أولا وبالذات ، وإضافة الى خالقها بواسطة خلقه للفاعل المباشري فتنسب إليه تعالى ولا يستلزم ذلك الفساد نقصا فيه تبارك وتعالى ، وسيأتي تفصيل البحث إن شاء الله تعالى.
ثم إنه قد ذكر في هذه الآية الختم على القلب مقدما على الختم على السمع ، وفي سورة الجاثية بالعكس ـ كما تقدم ـ حيث قال تعالى : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) ، الآية : ٢٣] ولا فرق بينهما من هذه الجهة لأن المدارك الظاهرية طريق إلى حصول العلم بالمقصود وفهم المعارف الإلهية. ولذا ذكر الفلاسفة : «من فقد حسا فقد فقد علما» فمن ختم الله على قلبه فقد فقد الفهم والانتفاع من المعارف الإلهية وكان كذلك بالنسبة إلى سمعه إذ لا أثر لسماع لا يدخل في القلب وكذا لو ختم على سمعه فقد أعرض عن فهم الحق فلا يسمع إلّا صوتا وحينئذ يصير السماع لغوا كما هو المشاهد في بعض الناس فهما متلازمان في الجملة سواء عبر بالأصل أم بالعكس.
قوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ). الغشاوة : الغطاء والحجاب. والمعنى أن أبصارهم لكثرة المعاصي وارتداعهم عن قبول الحق لا تدرك آيات الله تعالى في الآفاق والأنفس ودلائل وجوده فهي في حجاب ، وانما لم يسند الغشاوة إلى نفسه من حيث ثباتهم على الكفر وارتكابهم المعاصي وفي سورة الجاثية أسندها الى نفسه فقال تعالى : (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) وذلك لأنها تنتهي بالآخرة اليه انتهاء المقتضى (بالفتح) الى المقتضي (بالكسر) مع اختيارهم لذلك وعدم كونهم مجبورين عليه.
وإنما ذكر تعالى (عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) مع تحقيق الطبع بالنسبة إليها أيضا ، لكثرة توغلهم في الجهالات فكأن أبصارهم طبع عليها مرة بعد