بِبَعْضٍ) ؛ فكفّرهم بترك ما أمر الله عزوجل به ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة ، وذلك قول الله عزوجل يحكي قول ابراهيم : (كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ، يعني تبرأنا منكم ، وقال يذكر إبليس وتبرأه من أوليائه من الإنس يوم القيامة : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) ، وقال : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، يعني يتبرأ بعضكم من بعض».
أقول : يمكن جعل جميع ما في هذه الرواية من التقسيم العقلي بأن يقال : الكافر إما لا يعتقد بمبدإ أصلا ، وهو الكافر المطلق ويطلق عليه الجاحد بالمعنى العام أيضا ؛ أو يعتقد به في الجملة ثم يجحده وهو كفر الجحود بالمعنى الخاص ، أو يعتقد به ولا يجحده ولكن يكفر بنعمه وهو كفر النعم ، أو يعتقد به ولكن يترك ما أمر الله به وهو كفر ترك الطاعة ويشمل هذا ترك كل واجب شرعي ، أو إتيان كل ما نهى الله عنه. أو يعتقد بذلك كله ولكن لا يبرأ من عدوه ولا يتوالى وليه وهو كفر البراءة. ومن هذا الحديث يعرف بيان ما أطلق فيه الكفر على تارك الصّلاة أو على إتيان بعض المحرمات أو التولي لأعداء الله أو التبري من أولياء الله فهذا الحديث هو الجامع لجميع أنواع الكفر ، ولكن الكفر الاصطلاحي الذي يبحث عنه في الفقه الموجب لأحكام خاصة يختص ببعض الأقسام دون الجميع.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠))
ذكر سبحانه أولا المؤمنين حقا وهم الذين أخلصوا دينهم لله ، ثم ذكر الكافرين حقا وهم الذين محضوا في الكفر. واللازم منهما أنّ هناك قسمين