الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾(١) . فليس هذا الحكم من أحكام هذه الأمّة حتّى يعدّ من المنسوخ.
ويمكن دفعه بأنّ أخذ الميثاق والعهد المؤكّد من بني إسرائيل على هذه الواجبات التي يحكم العقل بحسنها ، دالّ على جريانه في جميع الأعصار على جميع الامم ، ولمّا كان المراد من النّاس في مخاطبة بني إسرائيل خصوص قبيلتهم ، لأنهم كانوا مأمورين بالجهاد مع غيرهم من الكفّار ، كانوا مخصوصين في هذه الأمّة المرحومة بحسن القول والمخاطبة معهم ، وسيجيء عند تفسير الآية الكريمة بعض الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
وثانيها : قوله تعالى : ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ﴾(٢) .
عن القمّي ، والنعماني رحمهماالله وكثير من العامّة ، أنّها منسوخة بقوله تعالى في سورة المائدة : ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ إلى قوله : ﴿وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ﴾(٣) .
قال القمّي رحمهالله : وترك قوله : ﴿وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾(٤) ولا يخفى أنّه قد اختلفت رواياتنا في الناسخ منهما ، وليس في المقام مجال البسط في الكلام.
وثالثها : قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ﴾(٥) .
روى العيّاشي والطّبرسيّ رحمهماالله عن الصادق عليهالسلام : « كان في بدو الإسلام إذا مات الرجل أنفق على امرأته من صلب المال حولا ، ثمّ اخرجت بلا ميراث ، ثمّ نسختها آية الرّبع والثّمن » (٦) .
وعنه ، وعن الباقر عليهماالسلام : « هي منسوخة ، نسختها : ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾(٧) ونسختها آيات الميراث » (٨) .
أقول : يعني نسخت المدّة بآية التّربّص ، والنفقة بآيات الميراث ، وهي وإن كانت متقدّمة في
__________________
(١) البقرة : ٢ / ٨٣.
(٢) البقرة : ٢ / ٢٢١.
(٣) تفسير القمي ١ : ٧٢ ، تفسير النعماني : ٢٨ ، تفسير الطبري ٢ : ٢٢١ ، والآية من سورة المائدة : ٥ / ٥.
(٤) تفسير القمي ١ : ٧٣ ، والآية من سورة البقرة : ٢ / ٢٢١.
(٥) البقرة : ٢ / ٢٤٠.
(٦) تفسير العياشي ١ : ٢٤٧ / ٥٣٠ ، مجمع البيان ٢ : ٦٠٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٤٨.
(٧) البقرة : ٢ / ٢٣٤.
(٨) تفسير العياشي ١ : ٢٤٧ / ٥٢٩ ، ومجمع البيان ٢ : ٦٠٢ عن الصادق عليهالسلام.