الترتيب والتلاوة ، إلّا أنّها متأخّرة في النزول ، ويأتي بعض الكلام فيه عند تفسيرها إن شاء الله.
ورابعها : قوله تعالى : ﴿إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ﴾
في ( الاحتجاج ) عن الكاظم ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهمالسلام في حديث يذكر مناقب النبي صلىاللهعليهوآله قال : ﴿فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى﴾(١) فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة ، قوله تعالى : ﴿لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(٢) . وقد كانت الآية عرضت على الأنبياء من لدن آدم إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمّدا صلىاللهعليهوآله ، وعرضت على الامم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله صلىاللهعليهوآله وعرضها على امّته فقبلوها ، فلمّا رأى الله عزوجل منهم القبول علم أنّهم لا يطيقونها ، فلمّا صار (٣) إلى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه فقال : ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾(٤) .
إلى أن قال الكاظم عليهالسلام : « ثمّ قال الله عزوجل : أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها ، وقد عرضتها على الامم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمّتك ، فحقّ عليّ أن أرفعها عن أمّتك ، وقال : ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها﴾(٥) الخبر.
وروى الفخر الرازي في تفسيره ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال : لمّا نزلت [ هذه ] الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وناس إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا رسول الله ، كلّفنا من العمل ما لا نطيق ، إنّ أحدنا ليحدّث نفسه بما لا يحبّ أن يثبت في قلبه ، وأنّ له الدنيا.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « فلعلّكم تقولون كما قال بنو إسرائيل : ﴿سَمِعْنا وَعَصَيْنا !﴾(٦) قولوا : سمعنا وأطعنا » . واشتدّ ذلك عليهم فمكثوا في ذلك حولا ، فأنزل الله : ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها﴾ فنسخت هذه الآية ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إنّ الله تجاوز عن امّتي ما حدّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا ويتكلّموا به » (٧) . أقول : قد دلّت هذه الرّواية أنّ الرّهط الذين شكوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله شدّة الآية لم يكونوا داخلين فيمن قبلها ، ولذلك قال لهم النبيّ صلىاللهعليهوآله : « فلعلّكم تقولون كما قال بنو إسرائيل : سمعنا وعصينا ! قولوا : سمعنا
__________________
(١) النجم : ٥٣ / ٩ و١٠.
(٢) البقرة : ٢ / ٢٨٤.
(٣) في المصدر : فلما أن سار.
(٤) البقرة : ٢ / ٢٨٥.
(٥) الاحتجاج : ٢٢٠ ، والآية من سورة البقرة : ٢ / ٢٨٦.
(٦) البقرة : ٢ / ٩٣.
(٧) تفسير الرازي ٧ : ١٢٥.