القسم اختلف كثير من الخاصّة والعامّة ، وأفرده جمع كثير منهم بالتصنيف.
ولا يذهب عليك أنّ المصطلح في النسخ هو إزالة الحكم الذي يكون ظاهر دليله استمراره بحكم آخر ، وعلى هذا يكون عدّ بعض الآيات التي نزلت في الوعد والوعيد خارجة عن المصطلح والحقيقة ، فعدّ آية : ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ﴾(١) ناسخة لقوله : ﴿إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها﴾(٢) كما عن بعض ، ليس على حقيقته ، وكذا عدّ الحكم المغاير للحكم السابق المغيّى بغاية معيّنة بعد بلوغ غايته ، كقوله تعالى : ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾(٣) فإنّ حكم وجوب الجهاد ليس ناسخا لحكم وجوب العفو والصّفح ، بل هو أمر الله الذي كان غاية له.
والحاصل : أنّه بعد ملاحظة القيود المعتبرة في المعنى الحقيقيّ للنسخ ، وملاحظة المقصود منه ، من كون الناسخ والمنسوخ كليهما في القرآن ، كان عدد الأحكام المنسوخة فيه قليلا. منها : أربعة أحكام في سورة البقرة :
أحدها : قوله تعالى : ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾(٤) .
عن ( التهذيب ) و( الخصال ) : عن الصادق عليهالسلام ، وعن العياشي عن الباقر عليهالسلام : « أنّها نزلت في أهل الذّمّة - أي أهل الكتاب - ثمّ نسخها قوله تعالى :
﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ﴾(٥) .
وعن القمّي رحمهالله : أنّها نزلت في اليهود ، ثمّ نسخت بقوله تعالى : اقتلوا ﴿الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾(٦) .
واورد عليه بأنّ قوله تعالى : ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ حكاية للحكم الذي أخذ الله الميثاق من بني إسرائيل على العمل به ، لأنّه في ضمن آية : ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
__________________
(١) هود : ١١ / ١١٨ و١١٩.
(٢) مريم : ١٩ / ٧١.
(٣) البقرة : ٢ / ١٠٩.
(٤) البقرة : ٢ / ٨٣.
(٥) التهذيب ٤ : ١١٥ / ٣٣٦ ، الخصال : ٢٧٥ / ١٨ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٢٨ / ١٨٠٩ ، والآية من سورة التوبة : ٩ / ٢٩.
(٦) تفسير القمي ١ : ٥١ ، والآية من سورة التوبة : ٩ / ٥.