قال بعض العامة : إنّ هذا الحكم منسوخ بآية القتال (١) .
وفيه : أنّه روي عن الباقر عليهالسلام « أنّه لم ينسخ من سورة المائدة شيء ... » (٢) الخبر. مع أنّه لا وجه للقول بالنسخ مع إمكان التخصيص كما ذكرنا في الآية السابقة.
ومنها : قوله تعالى في تلك السورة : ﴿فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾(٣) .
قالوا : إنّ الآية منسوخة بقوله تعالى : ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ...﴾(٤) .
وفيه : أنّه روي في ( التهذيب ) عن الباقر عليهالسلام : « أنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة و[ أهل ] الإنجيل يتحاكمون إليه ، كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء تركهم » (٥) انتهى ، وعليه لا تكون منسوخة.
ومنها : قوله تعالى في تلك السورة : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾(٦) قالوا : هي منسوخة بقوله تعالى : ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(٧) .
وفيه : أنّ التّخصيص أولى من النسخ ، وقد اتّفق النّصّ والفتوى على جواز شهادة أهل الكتاب إذا كانوا عدولا في دينهم في خصوص الوصيّة في السّفر إذا لم يجد الموصي مسلما (٨) .
ومنها : قوله تعالى في سورة البراءة : ﴿انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً﴾(٩) .
قالوا : هي منسوخة بآيات العذر (١٠) .
وفيه : أنّها مخصّصة لا ناسخة ، كما يشهد عليه قوله تعالى : ﴿لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾(١١) .
ومنها : قوله تعالى في سورة النّور : ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾(١٢) .
__________________
(١) تفسير الطبري ٦ : ٣٩ ، الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٧٤.
(٢) مجمع البيان ٣ : ٢٣٩.
(٣) المائدة : ٥ / ٤٢.
(٤) الكشاف ١ : ٦٣٥ ، الدر المنثور ٣ : ٨٣ ، الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٧٤ ، والآية من سورة المائدة : ٥ / ٤٩.
(٥) التهذيب ٦ : ٣٠٠ / ٨٣٩.
(٦) المائدة : ٥ / ١٠٦.
(٧) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٧٥ ، والآية من سورة الطلاق : ٦٥ / ٢.
(٨) الكافي ٧ : ٣٩٩ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٥٣ / ٦٥٥.
(٩) التوبة : ٩ / ٤١.
(١٠) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٧٥.
(١١) النساء : ٤ / ٩٥.
(١٢) النور : ٢٤ / ٣.