إلى الغير بالإحسان إليه ، ودفع المضارّ عنه ، الناشيء عن مبدأ في الذّات ، كان هو الرّقّة أو الحكمة ، والظاهر أنّه لا وجه لتخصيصه برقّة القلب حتّى يكون معناه الحقيقيّ مختصّا بالمخلوقين ، ويكون إطلاقهما على الله مجازا.
ولعلّه لدلالة ( الرحمن ) بهيئته على المبالغة والشدّة دلّ على الرّحمة العامّة الشاملة لجميع الموجودات من الخلق والرّزق وسائر الإنعامات ، فجميع الموجودات في جميع العوالم من الملك والملكوت والبرزخ والآخرة ، وجودها وبقاؤها بشمول الرّحمة الرّحمانيّة.
وأمّا ( الرّحيم ) فلعلّه لعدم دلالته على المبالغة والشدّة ، اختصّ بالرّحمة الخاصّة بالمؤمنين من الهداية إلى الحقّ والتوفيق للإيمان والأعمال الصالحة وحسن العاقبة والجنّة والنعم الاخرويّة الدائمة ، ولتقدّم الرّحمة العامّة على الرّحمة الخاصّة قدّم اسم الرّحمن على الرّحيم ، وإن اقتضت إفادة الشدّة تأخّره عنه لتأخّر مرتبة الشدّة عن الضّعف.
في نكتة الاقتصار في البسملة بذكر الأسامي الثلاثة
ولعلّ وجه الاقتصار في المقام على ذكر الأسامي الثلاثة المباركات جامعيّتها لجميع الخيرات والبركات ، حيث إنّ اسم الجلالة مبدأ فيض الخلق والإيجاد ، واسم الرّحمن مبدأ فيض الترتيبيّة والنعم الدنيويّة ، واسم الرّحيم مبدأ فيض الهداية والتوفيق وسائر التّفضّلات الاخرويّة على المؤمنين.
قيل : إنّ الله تعالى ثلاثة آلاف اسم ، ألف منها عرفها الملائكة لا غير ، وألف منها عرفها الأنبياء لا غير ، وثلاثمائة في التّوراة ، وثلاثمائة في الإنجيل ، وثلاثمائة في الزّبور ، وتسعة وتسعون في القرآن ، وواحد استأثر الله به نفسه ، ومعنى هذه الثلاثة آلاف منطوية في هذه الأسماء الثلاثة ، فمن علمها وقالها فكأنّما ذكر الله تعالى بكلّ أسمائه (١) .
وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في فضيلة هذه الآية المباركة ، أنّه قال : « ليلة اسري بي إلى السّماء عرض عليّ جميع الجنان ، فرأيت فيها أربعة أنهار : نهرا من ماء ، ونهرا من لبن ، ونهرا من خمر ، ونهرا من عسل. فقلت : يا جبرئيل ، من أين تجيىء هذه الأنهار وإلى أين تذهب ؟ قال : تذهب إلى حوض الكوثر ، ولا أدري من أين تجيىء ، فادع الله تعالى ليعلّمك ، أو يريك. فدعا ربّه ، فجاء ملك فسلّم على النبيّ صلىاللهعليهوآله ثمّ قال : يا محمد ، غّمض عينيك. قال : فغمّضت عيني ، ثمّ قال : افتح عينيك ، ففتحت فإذا أنا عند
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٩.