حيث إنّ الظاهر من قوله : ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أنّ الإرادة والعمل والقدرة من العبد ، ومن قوله : ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أنّ الإعانة بالهداية والتوفيق من الله.
ثمّ أنّه لمّا كان لإظهار فائدة المطلوب والمسؤول وتذكّر مضارّ فواته تأثير عظيم في شدّة حرص الطالب على الطلب ، وتهييج رحمة المطلوب منه في الإعطاء والإجابة ، وصف الصّراط وبيّنه بقوله : ﴿صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ وطريقة جماعة خصصتهم بكمال اللطف وتمام الفضل عليهم من العصمة عن الخطأ والزّلل ، والمعرفة بحقائق الامور واليقين بالمبدأ والمعاد لنورانيّة طينتهم ، وقوّة عقولهم ، وانشراح صدورهم ، وهم النّبيّون ، ثمّ الأوصياء ، ثمّ الأولياء.
ثمّ وصف المهديّين المنعم عليهم بقوله : ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ بسبب خبث طينتهم وفساد عقائدهم وأعمالهم ، للتّعريض على أنّ الجاحدين للحقّ المعاندين له من اليهود والنّصّاب وأضرابهم في غضب الله ، وبقوله : ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ وهم الذين أعرضوا عن الحقّ لتقصيرهم وجهلهم من غير عناد كالنّصارى الّذين قال الله فيهم : ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى﴾(١) وكالشاكّين الذين لم يجهدوا في تحصيل معرفة الحقّ للتّعريض على أنهم في ضلال.
عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهمالسلام قال : « لقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : قال الله عزوجل : قسّمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي ، فنصفها لي ونصفها لعبدي [ ولعبدي ] ما سأل ، فإذا قال العبد ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ قال الله جلّ جلاله : بدأ عبدي باسمي ، وحقّ عليّ أن اتمّم له اموره ، وابارك له في أحواله.
وإذا قال : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ قال جلّ جلاله : حمدني عبدي ، وعلم أنّ النّعم التي له من عندي ، وأنّ البلايا التي اندفعت (٢) عنه فبتطوّلي ، اشهدكم أنّي اضيف له إلى نعم الدّنيا نعم الآخرة ، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا.
وإذا قال : ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ قال الله جلّ جلاله : شهد لي بأنّي الرّحمن الرّحيم ، اشهدكم لاوفّرنّ من نعمتي (٣) حظّه ، ولاجزلنّ من عطائي نصيبه.
فإذا قال : ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال الله تعالى : اشهدكم كما اعترف بأنّي أنا الملك يوم الدّين ،
__________________
(١) المائدة : ٥ / ٨٢.
(٢) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : دفعت.
(٣) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : رحمتي.