ثمّ أنّه لما كان من دأب الله تعالى في الكتاب العزيز أنّه كلّما ذكر المؤمنين والمتّقين بخير ذكر الكافرين والفاسقين بسوء ، وكلّما وعد المؤمنين بالثواب والرحمة أوعد الكفّار بالعذاب والنّقمة ، أردف هنا ذكر المتّقين وتوصيفهم بأحسن صفاتهم ، ووعدهم بالفلاح والنّجاح بذكر الكفّار الجاحدين للحقّ ، المصرّين على الكفر ، وتوبيخهم بأخبث أخلاقهم ، وتوعيدهم بالعذاب والنّكال ، بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله كأبي جهل وأبي لهب وأضرابهما من رؤساء الضلال الذين كانوا في ذلك العصر مصرّين على التمرّد واللّجاج والعناد للحقّ.
ويحتمل أن يكون المراد من الموصول كلّ من صمّم على الكفر تصميما لا يرعوي بعده ، دون غيرهم من الذين لم يبلغوا ذلك الحال ، بقرينة قوله تعالى : ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ﴾ ولا يتفاوت حالهم ﴿أَ أَنْذَرْتَهُمْ﴾ وخوّفتهم من عذاب الله ودعوتهم إلى الإيمان ووعظتهم ﴿أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ فإنّ قلوبهم في أعلى مرتبة القساوة ، خارجة عن قابلية التأثّر ، ولذا سبق في علم الله أنّهم ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ بك وبكتابك ، فلا تتعب نفسك في دعوتهم ، ولا تطمع في إيمانهم حيث إنّه ﴿خَتَمَ اللهُ﴾ وطبع ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ فلا يدخل فيها شيء من المواعظ ، ولا ينفذ فيها نور الهداية كما كانوا يقولون : ﴿قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ﴾(١) .
﴿وَ﴾ ختم ﴿عَلى سَمْعِهِمْ﴾ لا يدخل فيه كلمات الوعد والوعيد والإنذار والتّهديد كما كانوا يقولون : ﴿وَفِي آذانِنا وَقْرٌ﴾(٢)﴿وَعَلى أَبْصارِهِمْ﴾ كأنّه ﴿غِشاوَةٌ﴾ وغطاء لا يخرج منها نور يرون به آيات الحقّ.
روي عن الرّضا عليهالسلام أنّه سئل عن قول الله عزوجل : ﴿خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ﴾ قال : « الختم هو الطبع على قلوب الكفّار ، عقوبة على كفرهم ، كما قال الله عزوجل : ﴿طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً﴾(٣) .
وعن العسكري عليهالسلام : في تفسير ﴿خَتَمَ اللهُ﴾ أنّه قال : « وسمها بسمة يعرفها من شاء من ملائكته وأوليائه إذا نظروا إليها ، بأنّهم الذين لا يؤمنون » (٤) .
__________________
(١) فصلت : ٤١ / ٥.
(٢) فصلت : ٤١ / ٥.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٢٣ / ١٦ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ١٥٥.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٩٨ / ٥٣.