بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، وأنزل الكتاب ولم يجعل له عوجا قيّما ليبشّر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلا كبيرا ، وجعله في ظلمات الأرضين شمسا مضيئة وقمرا منيرا ، وأبلج به عن هدى رسوله ، وأوضح به الحقّ وأرشد البريّة إلى سبيله ، وذكّرهم به تذكيرا ، تحدّى (١) الجاحدين في إتيان سورة من مثله فلم يفعلوا ولن يفعلوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، وتجلّى فيه بظهور قدرته ، وبهور حكمته ، وسطوع نور عظمته ، حتى رآه بقلبه من كان بصيرا.
والصلاة والسّلام على من أرسله برحمته وفضله إلى النّاس بشيرا ، وختم به الرسالة ، وبشّر به المرسلون أممهم تبشيرا ، وشرّف الملائكة المقرّبين بأن جعلهم له ظهيرا ونصيرا.
وعلى ابن عمّه ، وكاشف غمّه ، وزوج ابنته ، والمخصوص بأخوّته ، الذي وهبه الله له وصيّا ووزيرا ، وعلى الأئمّة من ذرّيّته الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.
أمّا بعد : فقد طال ما جال فكري في أن أكتب للكتاب الكريم تفسيرا ، كي يكون ذخري لحين فقري ونجاتي في يوم يكون شرّه مستطيرا ، وإن كان لقصور باعي وقلّة اطّلاعي عليّ عسيرا ، إلّا أنّ شوقي الأكيد هاج روعي ، وكلّفني السّعي فوق ما في وسعي ، فشمّرت للغوص في هذا البحر العميق ، فشرعت فيه سائلا من الله الإعانة والتوفيق.
فاصطفيت من التفاسير ما هو لبابها ، واكتفيت من الوجوه بما هو صوابها ، وبالغت في الجدّ بنقل ما وصل إليّ بطرق الخاصّة والعامّة من الروايات ، واستفرغت الوسع في بيان وجه النظم بين السور والآيات ، وصرفت الهمّ في التعرّض لأسباب النزول الواردة في الآثار ، وبذلت الجهد في الإسفار عن وجوه بعض النكت والأسرار ، وكففت عن التكلّم في أعاريب الكلمات ، وبيان وجوه القراءات التي
__________________
(١) في النسخة : وحدّ.