اتّبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، وأنّه يضرب على من خالفه الذّلّ والهوان ، وأنّه باب الله الجاري من أوّل الخلق إلى آخر الزمان ، وذلك واضح لمن علم تاريخ الأنبياء السابقة ، والأمم السالفة ﴿وَلكِنْ﴾ هؤلاء الجهلة ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أحوال الأنبياء وتأييداتهم الغيبيّة الربّانية ولا يطّلعون على تواريخ الامم الماضية.
أو المراد أنّهم لا يعلمون أنّهم السّفهاء ، ولا يحيطون بما هم عليه من داء الجهل ، وأنّ المؤمنين بإيمانهم وإخلاصهم يبعدون عن السّفه والجهالة راغبين (١) في العلم وطلب الحقّ.
ثمّ أوضح الله تعالى كيفيّة نفاقهم ، بقوله : ﴿وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصادفوهم ﴿قالُوا﴾ لهم بأفواههم كذبا ﴿آمَنَّا﴾ بما آمنتم به ﴿وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ﴾ واجتمعوا في الخلوة مع سائر المنافقين المغوين لهم ﴿قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ في الدّين وتكذيب محمّد ومخادعة المؤمنين ﴿إِنَّما نَحْنُ﴾ بتصديق النبيّ وإظهار الإسلام ﴿مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ بالمؤمنين ، ساخرون منهم ، من غير أن يخطر ببالنا الإيمان ، وإنّما نظهر موافقتهم لنأمن من شرّهم ، ونطّلع على سرّهم وننكح بناتهم ، ونشاركهم في غنائمهم وصدقاتهم.
من طريق العامّة : عن ابن عبّاس : أنّ عبد الله بن ابي وأصحابه خرجوا ، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وفيهم عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه : انظروا كيف أردّ (٢) ابن عمّ رسول الله ، ثمّ قال : يابن عمّ رسول الله ، وسيّد بني هاشم خلا (٣) رسول الله.
فقال عليّ كرّم الله وجهه : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تنافق ، فإنّ المنافق شرّ خلق الله تعالى.
فقال : يا أبا الحسن ، والله إنّ إيماننا كإيمانكم ، ثمّ تفرّقوا ، فقال عبد الله بن ابيّ لأصحابه : كيف رأيتم ما فعلت ؟ فأثنوا عليه خيرا. فأنزل الله على رسوله ﴿وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ..﴾ الآية (٤) .
قال موفّق بن أحمد راوي الرّواية : فدلّت الآية على إيمان عليّ كرّم الله وجهه ظاهرا وباطنا ، وعلى قطعه موالاة المنافقين ، وإظهار عداوتهم (٥) .
وعن ابن شهر آشوب : عن الباقر عليهالسلام : « أنّها نزلت في ثلاثة لمّا قام النبيّ صلىاللهعليهوآله بالولاية لأمير المؤمنين عليهالسلام أظهروا الإيمان والرّضا بذلك ، فلمّا خلوا بأعداء أمير المؤمنين ﴿قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما
__________________
(١) في النسخة : راغبون.
(٢) في المناقب : أرادّ.
(٣) في المناقب : ختن.
(٤) مناقب الخوارزمي : ١٩٦.
(٥) مناقب الخوارزمي : ١٩٦.