نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾(١) .
وعن تفسير الهذيل ، ومقاتل : عن محمّد بن الحنفيّة - في خبر طويل - ﴿إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ بعليّ بن أبي طالب فقال الله تعالى شأنه : ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ يعني يجازيهم في الآخرة جزاء استهزائهم بأمير المؤمنين عليهالسلام (٢) .
وقيل : إنّ المراد أن الله يعامل معهم في الدنيا والآخرة معاملة المستهزئ ، أمّا في الدنيا فبأن جعل لهم أحكام الاسلام في الظاهر ، فيحسبون أنّ لهم عند الله كرامة ، وهم في غاية الهوان لكفرهم.
وأمّا في الآخرة : فقد روي عن محمّد بن الحنفيّة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال : إذا كان يوم القيامة أمر الله الخلق بالجواز على الصّراط ، فيجوز المؤمنون إلى الجنّة ، ويسقط المنافقون في جهنّم [ فيقول الله : يا مالك استهزئ بالمنافقين في جهنم ] فيفتح مالك بابا من جهنّم إلى الجنّة ، ويناديهم : معاشر المنافقين ، هاهنا هاهنا ، اصعدوا إلى الجنّة فيسبح المنافقون في بحار (٣) جهنّم سبعين خريفا حتّى إذا بلغوا إلى باب الجنّة وهمّوا بالخروج أغلقه دونهم ، وفتح له بابا من الجنّة من موضع آخر ، فيناديهم : اخرجوا إلى الجنّة ، فيسبحون مثل الأوّل ، فإذا وصلوا إليه أغلق دونهم ويفتح من موضع آخر ، وهكذا أبد الآبدين (٤) .
وفي حديث : يؤمر بنفر من النّاس يوم القيامة إلى الجنّة ، حتّى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ، ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعدّ الله تعالى لأهلها نودوا أن انصرفوا (٥) عنها لا نصيب لكم فيها. فيرجعون بحسرة وندامة ما رجع الأوّلون والآخرون بمثلها ، فيقولون : يا ربّنا ، لو أدخلتنا النّار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثواب ما أعددت لأوليائك ! فيقول : ذلك أردت بكم ، كنتم إذا خلوتم بي بارزتموني بالعظائم ، فإذا لقيتم النّاس لقيتموهم مخبتين (٦) ، تراؤن النّاس ، وتظهرون خلاف ما انطوت قلوبكم عليه ، هبتم الدنيا ولم تهابوني ، وأجللتم النّاس ولم تجلّوني ، وتركتم للنّاس ولم تتركوا لي ، فاليوم اذيقكم أليم عذابي مع ما حرمتكم.
قيل : في الآية إشعار بكرامة المؤمن على الله ، حيث تدلّ على أنّه سبحانه يستهزئ بمن استهزأ
__________________
(١) تفسير البرهان ١ : ١٤٥ / ٣٣٧.
(٢) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٩٤.
(٣) في المناقب : في نار.
(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٩٤ ، بحار الأنوار ٨ : ٣٠١ / ٥٦.
(٥) في النسخة : اصرفوا.
(٦) أي خاشعين متواضعين.