والعمدة في أسبابه هو السمع والبصر ﴿إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ ممكن قابل لتعلّق الإرادة بوجوده ﴿قَدِيرٌ﴾ بذاته لا يحتاج إلى معاونة غيره ، ولا يزاحمه شيء في أمره.
كذلك حال المنافقين ، حيث نزل عليهم القرآن ، وأشتدّ نور الآيات البيّنات في أنظارهم ، بحيث لم يبق لهم مجال للشكّ والرّيب ، وهو بشدّة حبّهم الدّنيا ، كلّما كان في الاقرار بالآيات وإظهار تبعيّتها نفع لهم من العزّة والشركة في الغنائم وسائر أحكام الإسلام النافعة لهم في دنياهم ، أقرّوا بها ، وأظهروا اتّباعها والانقياد لها. وإذا كان فيها ضرر عليهم من التكاليف الشاقّة ، كوجوب الجهاد ، والإنفاق في سبيل الله ، وخفض الجناح للمؤمنين وترك موادّة الأرحام والأقارب ، تركوا اتّباعها وأعرضوا عن موافقتها.
وحاصل الآيتين أنّه تعالى شبّه القرآن وما فيه من المعارف والحكم التي هي مدار الحياة الأبديّة بالصّيّب الذي هو سبب الحياة الأرضيّة ، وما عرض لهم بنزولها من الشّكوك والشبهات والغموم والأحزان وانكساف الحال بالظلمات ، وما فيه من الوعد والوعيد بالرّعد والبرق ، وتصاممهم عمّا يقرع أسماعهم من الوعيد والتهديد بحال من يهوله الرّعد والبرق ، فيخاف صواعقه فيسدّ اذنه ، واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه أو رفد يحرزونه بمشيهم في مطرح ضوء البرق ، وتحيّرهم في أمرهم حين عنّ بهم معصية أو رأوا في التكاليف ما يشقّ عليهم أو يخالف هواهم بوقوفهم إذا أظلم عليهم.
في أن المنافق أسوء حالا من الكافر
وفي الاقتصار في ذمّ الكفّار وتهديدهم بآيتين ، والإكثار في ذمّ المنافقين وتهديدهم بثلاث عشرة آية ، إشعار بأنّ المنافق أسوء حالا من الكافر ، والاعتبار يساعده لكونهم أشدّ ضررا على الإسلام والمسلمين.
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ
مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد ما بيّن أنّ القرآن العظيم هاد إلى الصّراط المستقيم ، وأنّ المتّقين هم المنتفعون به الموفّقون بسلوكه ، وأنّ الكفّار والمنافقين هم المنحرفون منه ، شرع بلطفه ورحمته في دعوة جميع