والوجه الآخر : اعبدوا الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلّكم تتّقون ، أي اعبدوه لعلّكم تتّقون النّار ، و( لعلّ ) من الله واجب ، لأنّه أكرم من أن يعنيّ عبده بلا منفعة ، ويطمعه في فضله ثمّ يخيّبه ، ألا ترى كيف قبح من عبد من عباده إذا قال لرجل : اخدمني لعلّك تنتفع بي ، ولعلّي أنفعك. فيخدمه ثمّ يخيّبه ولا ينفعه ؟ فالله عزوجل أكرم في أفعاله ، وأبعد من القبيح في أعماله من عباده » .
في بيان أنّ كلمة لعلّ في كلام الله مستعملة في معناها الحقيقي
أقول : لا يبعد أن تكون كلمة لعلّ موضوعة للدلالة على صلاحيّة متعلّقة وشأنيّته ، لأن يرغب فيه ويترقّب وقوعه ، وعلى هذا يكون استعماله من الله حقيقة ، حيث إنّ الرّجاء الذي هو ملازم التّرديد والشّكّ ، يكون من اللوازم الغالبيّة (١) في النفوس البشريّة ، ثمّ فيه تنبيه على أنّ التقوى منتهى درجة الكمال ، وتخصيص الموجودين بالخطاب مع محبوبيّة التقوى من كلّ أحد إلى الأبد لأجل التغليب.
ثمّ بعد ذكر النعم الداخليّة من الخلق والتربيه ، ذكر مهمّات النعم الخارجيّة التي كلّ واحدة منها كافية في وجوب العبادة ، بقوله : ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً﴾ وبساطا.
عن ابن بابويه : عن العسكري ، عن آبائه ، عن السجّاد عليهمالسلام في تفسير الآية : « جعلها ملائمة لطباعكم ، موافقة لأجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة فتجمدكم ، ولا شديدة طيب الرّيح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النّتن فتعطبكم ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصّلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنّه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون ، وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما ينقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم ، فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثمّ قال عزوجل : ﴿وَالسَّماءَ بِناءً﴾ وسقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم.
ثمّ قال تعالى : ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ يعني المطر ، ينزله من علا ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم ، ثمّ فرّقه رذاذا ووابلا وهطلا وطلّا ، لتنشفه أرضوكم ، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أراضيكم ، وأشجاركم وزروعكم وأثماركم.
ثمّ قال عزوجل : ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ يعني ممّا يخرجه من الأرض رزقا لكم »(٢).
__________________
(١) كذا ، ولعلّه تصحيف الغالبة.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٣٧ / ٣٦.