تَفْعَلُوا﴾ أبدا ، ولا يكون ميسوركم ومقدوركم ولو جئناكم بالإنس والجنّ مددا ﴿فَاتَّقُوا﴾ بالإيمان برسالة محمّد صلىاللهعليهوآله وتصديق كتابه أنّه كلام الله المنزل عليه ﴿النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا﴾ وما به اشتعالها ﴿النَّاسُ وَالْحِجارَةُ﴾ قيل : هي حجارة الكبريت لأنّها أشدّ حرّا ، وبه رواية (١) . وقيل : حجارة الأصنام المنحوتة ، لأنّهم أحبّوها في الدنيا ، وقد روي : « من أحبّ حجرا حشرة الله معه » (٢) .
قيل : إنّهم لمّا قرنوا أنفسهم في الدنيا بها وظنّوا أنّ بها نجاتهم في الآخرة ، كان اقترانهم بها في العذاب موجبا لزيادة الحسرة عليهم ، كما قال تعالى : ﴿يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ﴾(٣) .
وهذه النّار ﴿أُعِدَّتْ﴾ وهيّئت في الآخرة ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ بالله ورسله والدّين المرضيّ عنده.
ثمّ اعلم أنّ التّحدّي من مدّعي النبوّة بما يعجز النّاس عن الإتيان بمثله دليل صدقه ، وقد جاء في القرآن على وجوه من البيان.
أحدها : قوله : ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾(٤) .
وثانيها : وهو أقرع من الأوّل ، قوله : ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ﴾(٥) .
وثالثها : وهو أشدّ تقريعا وتبكيتا ، هذه الآية المباركة ، فترتيب هذه الأنحاء من التحدّي نظير تحدّي مصنّف كتاب بقوله : ائتوني بمثل هذا الكتاب ، فإن لم تقدروا فبنصفه ، وإن لم تقدروا فبباب أو مسألة منه.
ثمّ اعلم أنّ الله تعالى كما جعل معجز موسى في إلقاء العصا لبلوغ علم السحر في زمانه كماله ، ومعجز عيسى في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لبلوغ علم الطّبّ في زمانه نهايته ، جعل معجز خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله في فصاحة الكتاب العزيز وبلاغته وحسن اسلوبه لبلوغ علم البيان في عصره أعلى درجته.
فلمّا عجز العرب وفرسان ميدان البيان بعد هذه التقريعات عن المعارضة بالكلمات والحروف ، وبادروا إلى المبارزة بالأسنّة والسّيوف ، وحملهم العناد والعصبيّة على شرب كأس الحتوف ، أو
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ١٥٩.
(٢) أمالي الصدوق : ٢٧٨ / ٣٠٨.
(٣) البقرة : ٢ / ١٦٧.
(٤) الاسراء : ١٧ / ٨٨.
(٥) هود : ١١ / ١٣.