والجماع » .
قال : فإنّ الذي يأكل له حاجة ، والجنّة طيّبة ليس فيها أذى ؟ قال صلىاللهعليهوآله : « حاجة أحدهم عرق ريحه كريح المسك » (١) .
ثمّ قال تعالى في وصف رزق الجنّة : ﴿وَأُتُوا بِهِ﴾ وجيئوا بذلك الرزق ﴿مُتَشابِهاً﴾ ومتماثلا في الحسن والكمال واللذّة والنّضج والطّيب ، ليس فيها غير منضوج ولا فاسد ولا قليل اللّذة ، بل كلّها في الصفات الكماليّة في أعلى درجة.
﴿وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ طهّرهنّ الله من الأدناس والأرجاس الجسمانيّة ، من الحيض والنفاس والاستحاضة ، ومن الأخلاق الرّذيلة والصفات الخسيسة.
قيل : فيه إشارة إلى نهاية كرامة المؤمنين ، حيث إنّ الله تعالى بذاته المقدّسة باشر تزيين أزواجهم.
عن ابن عبّاس : خلق الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب - أي الأبيض - ومن عنقها إلى رأسها من الكافور ، إذا أقبلت يتلألأ نور وجهها كما تتلألأ الشّمس لإهل الدنيا (٢) .
قيل : إنّه بعد ملاحظة قوله تعالى : ﴿الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾(٣) يعلم أنّهنّ لا يكنّ إلّا للمطهّرين من المعاصي والأخلاق السيّئة والصفات الذّميمة وحبّ الدنيا الدنيّة ، المزيّنين بالملكات الحسنة والصفات الكريمة.
ثم أنّه قد وردت روايات بأنّ زوجة المؤمن في الدنيا إذا كانت مؤمنة صالحة ، تختصّ بزوجها في الجنّة ، وتفوق على حور العين في الحسن والجمال والنور والبهاء.
ثمّ اعلم أنّه لمّا كان اصول النعم في الدنيا المسكن الطيّب ، والشّراب الهنيء ، والطعام اللّذيذ ، والزوجة الجميلة المحبوبة ، بشّر الله المؤمن بأنّ له هذه النعم في الآخرة.
ثمّ لمّا كان خوف زوال النعمة من منغّصات العيش ، بشّر الله تعالى المؤمنين بدوام النعمة وبقائهم في الجنّة ، بقوله : ﴿وَهُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ مقيمون أبدا ، لا يخرجون منها ولا يموتون ، فلا يخطر ببالهم احتمال زوال النعمة وعود البلايا والمحن الدنيويّة.
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٨٤.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٨٤.
(٣) النور : ٢٤ / ٢٦.