عن عكرمة ، أنّه قال : أهل الجنّة ولد ثلاث وثلاثين سنة رجالهم ونساؤهم ، وقامتهم سبعون (١) ذراعا على قامة أبيهم آدم ، جرد (٢) مكحّلون ، عليهم سبعون حلّة ، لكلّ حلّة في كلّ ساعة سبعون لونا ، لا يبزقون ولا يتمخّطون ، وما كان فوق ذلك من أذى فهو أبعد ، يزدادون كلّ ساعة حسنا وجمالا كما يزداد أهل الدنيا هرما وضعفا ، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم (٣) .
في إثبات المعاد
ثمّ اعلم أنّ المعاد الجسماني من ضروريّات دين الاسلام ، بل وسائر الأديان ، والعقل القاطع والنّقل الساطع حاكمان على إمكانه ووقوعه ، أمّا إمكانه عقلا فلوضوح أنّ إيجاد عالم آخر ، وإعادة النّاس ، ليس من الممتنعات الذاتيّة كشريك الباري ، ولا من المحالات العرضيّة لعدم استلزامه لقبيح أو محال ، والقول بأنّ الزائل لا يمكن أن يعود - على فرض تسليمه - فإنّما هو العود بعينه وبجميع مشخّصاته الزمانيّة والمكانيّة وغيرهما.
وأما تصوير مادته بصورة مماثلة لصورتها السابقة ، بحيث يقال : هذا هو ، فليس من الإعادة التي قالوا بامتناعها ، وهذه نظير لبنة سوّيت أولا بتراب مخصوص وقالب خاصّ ، ثمّ كسرت وفتّتت ، ثمّ سوّيت ثانيا بذلك التراب وذلك القالب ، بحيث كلّ من رأى اللّبنة الثانية قال : هي اللّبنة الاولى (٤) .
وأمّا قدرته تعالى فلا يتصوّر ولا يعقل فيها قصور عن الإعادة ، وقد استدلّ في مواضع من كتابه العزيز على قدرته على الإعادة بقدرته على الإبداء ، قال : ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى﴾(٥) وقال : ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾(٦) .
بل لا شبهة أنّ الإعادة أهون من الإبداء لكونه بلا مثال سابق كما قال : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾(٧) فلينظر العاقل إلى بدو خلقه ، فإنّ مادّة نطفته كانت ذرّات متفرّقة في أطراف العالم ، فجمعها الله تعالى في لقمة واحدة ، ثمّ فرّق فضلة الهضم الرّابع منها كالذّرّات في جميع أعضاء بدن الرجل ، ثمّ جمعها الله تعالى بالقوّة الشهويّة في وعاء المنيّ ، ولذا تلتذّ جميع الأعضاء بالوقاع ، لحصول انحلال ذرّات المنيّ عنها ، ثمّ أخرجها الله ماء دافقا إلى قرار الرّحم ، فمن هو قادر
__________________
(١) في تفسير روح البيان : ستون.
(٢) في تفسير روح البيان : آدم ، شباب جرد مرد.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٨٤.
(٤) وقد ورد حديث عن الامام الصادق عليهالسلام في هذا المضمون راجع : الاحتجاج : ٣٥٤.
(٥) الاحقاف : ٤٦ / ٣٣.
(٦) يس : ٣٦ / ٧٩.
(٧) الروم : ٣٠ / ٢٧.