قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

نفحات الرحمن في تفسير القرآن [ ج ١ ]

نفحات الرحمن في تفسير القرآن

نفحات الرحمن في تفسير القرآن [ ج ١ ]

تحمیل

نفحات الرحمن في تفسير القرآن [ ج ١ ]

231/652
*

يابسة حارّة نورانيّة ، وإليه أشار سبحانه بقوله : ﴿أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ(١) .

والحاصل : أنّ من أذعن بإمكان الإعادة ذاتا ووقوعا ، وأيقن بقدرة الله التّامّة ، لا يبقى له ريب وإشكال ، وإنّما اكتفى سبحانه وتعالى في مقام الاستدلال على الإمكان بالمقدّمة الأخيرة ، وهي كمال سعة قدرته وشمول حكمته الظاهران في خلق السّماوات والأرض ، وإرسال الرّياح ، وإنشاء السّحاب ، وإنزال الأمطار ، وخلق الأشجار وجعلها بيوت النّار ، وإخراج الثّمار ، وخلق النّطف وغير ذلك.

ولم يتعرّض للمقدّمة الاولى لعدم ريب لمنكر الحشر فيها ، نعم أضاف إليه سبحانه الاستدلال بوقوع نظائر الحشر في الدّنيا ، كإحياء الأرض بعد موتها بإنزال الأمطار ، وإحياء القتيل من بني إسرائيل بضربه بجزء من البقرة ، وإحياء الالوف الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت ، وجمع الأعضاء المتفرّقة من الطيور الأربعة وإحيائها لإبراهيم ، وإحياء النبيّ الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها فقال : أنّى يحيى هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه ، وإحياء حماره إلى غير ذلك.

ثمّ اعلم أنّه تبارك وتعالى أكثر في كتابة العزيز من الاستدلال على التّوحيد والنبوّة وإمكان المعاد ، لوضوح عدم إمكان التعبّد فيها ، ووضوح حكم العقل بها بالبراهين التّي أقامها سبحانة ، وإنّما اكتفى في وقوع المعاد بصرف الدعوى لكفاية إمكانه وثبوت النبوّة وإخبار الله ورسوله بوقوعه في ثبوته ، واليقين به ، فإنّ اليقين بصدق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في إخباره بوقوعه مستلزم لليقين به ، مع أنّ العقل حاكم بوجوب وقوعه لوجوه :

[١] منها : أنّ حكمة خلق الإنسان الذي خلق له غيره من عالم الأجسام لا يتمّ إلّا بالمعاد ، بل لو لا المعاد لكان خلقه وخلق العالم عبثا لا يليق صدوره من الحكيم تعالى شأنه.

أمّا قولنا : إنّ غير الإنسان من الموجودات الجسمانيّة خلق له ، فلأنّ موجودات عالم الأجسام بل جميع العوالم مرتبطات بعضها ببعض كأعضاء شخص واحد ، وجميعها محصّلات لغرض واحد ومقدّمات لنتيجة واحدة ، كشجرة غرست لتحصيل ثمرتها.

ومن الواضح أنّ النتيجة متأخّرة عن المقدّمات ، والثّمرة متأخّرة وجودا عن الشجرة ، لأنّ العلّة

__________________

(١) الواقعة : ٥٦ / ٧١ - ٧٢.