كلّما عظمت نعمة المولى على العبد عظمت معصيته إيّاه.
ثمّ ذكّرهم زوال هذه النعمة التي صارت سببا لغرورهم بقوله : ﴿ثُمَ﴾ بعد مدّة طويلة من الإحياء وتعميركم في الدنيا ﴿يُمِيتُكُمْ ثُمَ﴾ بعد مدّة من الإماتة التي فيها تجهّزون وتقبرون ﴿يُحْيِيكُمْ﴾ في القبور للسؤال ولتنعّم المطيع ولتعذيب العاصي ﴿ثُمَ﴾ بعد الإماتة في القبر ﴿إِلَيْهِ﴾ وإلى سلطانه وحكمه ﴿تُرْجَعُونَ﴾ وتحيون ثالثا للنشور.
وقيل : أي ترجعون إلى ما وعدكم من الثواب والعقاب على حسب أعمالكم ، لا إليه في مكان كما توهّمه المجسّمة.
إن قيل : كيف استدلّ عليهم بالاحياء والإماتة في القبر ، ثمّ بالاحياء في المحشر مع عدم علمهم بذلك ؟
قلنا : تمكّنهم من تحصيل العلم جعلهم بمنزلة العالمين.
ثمّ أردف سبحانه وتعالى نعمة الحياة بذكر سائر النعم الجسيمة التي خلق لهم في الأرض بقوله : ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ﴾ بقدرته ورحمته ﴿ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ من الأشياء كي تنتفعوا بها في دنياكم ودينكم ، بأن تستدلّوا بها على خالقكم ، وتعتبروا بها وتتوصّلوا إلى رضوانه ، وتتّقوا عن نيرانه ، وتصلحوا بها أبدانكم ، وتتقوّوا بها على طاعة ربّكم ، وتقبروا فيها إلى يوم بعثكم ، وفيه دلالة على أنّ خلق عالم الاجسام لأجل الإنسان وتبيعه.
عن ابن عباس رضى الله عنه : أوّل ما خلق الله جوهرة طولها وعرضها مسيرة ألف سنة في مسيرة عشرة آلاف سنة ، فنظر اليها بالهيبة فذابت واضطربت ، ثمّ ثار منها دخان ، فارتفع واجتمع زبد فقام فوق الماء ، فجعل الزبد أرضا والدخان سماء (١) .
﴿ثُمَّ اسْتَوى﴾ وتوجّه سبحانه وتعالى بالإرادة والايجاد ، وقصد قصدا سويّا لا يلويه عنه شيء ﴿إِلَى﴾ خلق ﴿السَّماءِ فَسَوَّاهُنَ﴾ وخلقهنّ معتدلات ﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾ طباقا ليس فيها خلل ولا فطور ولا اعوجاج.
عن سلمان : اسم الأولى رفيع (٢) وهي [ من ] زمردة خضراء ، واسم الثانية أرفلون وهي من فضة
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٩١.
(٢) في تفسير روح البيان : رقيع.