الْأَرْضِ﴾(١) وعلى هذا التفسير جمع من العامّة. وقال بعضهم : إنّ الله يحفظ العالم بالخليفة كما يحفظ الخزائن بالختم (٢) .
قيل : إنّ حكمة إظهار هذه الإرادة للملائكة تعليم العباد المشاورة في الامور ، أو سؤال الملائكة عن حكمة الجعل حتّى يظهر لهم شرف آدم وفضله عليهم ، فلمّا سمعت الملائكة ذلك الخطاب ﴿قالُوا﴾ استفهاما لحكمة جعل الخليفة ، لا اعتراضا على الله : ﴿أَ تَجْعَلُ﴾ يا ربّ ، وتنصب للخلافة ﴿فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها﴾ بالعصيان والطغيان شأنا واستعدادا ﴿وَيَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ المحترمة ، كما كان بنو الجانّ يفعلون فيها ﴿وَنَحْنُ﴾ أولى وأحقّ بالخلافة ، لأنّه ليس فينا شأنيّة الفساد والظلم ، بل نحن مجبولون على عبادتك ، وشغلنا أنّا ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ وننزّهك عمّا لا يليق بك ، مقرونا بثنائك الجميل على نعمتك ﴿وَنُقَدِّسُ﴾ الأرض ونطهّرها ﴿لَكَ﴾
قيل : الفرق بين التّسبيح والتّقديس ، أنّ التّسبيح : تنزيهه تعالى عمّا لا يليق به. والتّقديس : إثبات ما يليق (٣) .
فاستحقروا آدم وذرّيته ، ولم يعلموا أنّه أحقّ بخلافة الله منهم ، لأنّه مجمع عوالم النّفوس والعقول والأجسام ، وفيه انطوى العالم الأكبر ، ولعلّه لكون سؤالهم عن حكمة الجعل بصورة الاعتراض - إذ كان حقّ السّؤال أن يقولوا : ربّنا علّمنا حكمة هذا الجعل - طردهم الله عن حول العرش ، وجعل البيت المعمور توبة لهم على ما روي عن المعصومين عليهمالسلام (٤) . ولا يخفى أنّ هذه الرّوايات تنافي كون المراد من الملائكة الملائكة الذين (٥) كانوا سكّان الأرض.
وعلى أيّ تقدير ، ﴿قالَ﴾ الله في جوابهم : ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ من الحكم والمصالح في هذا الخلق ﴿ما لا تَعْلَمُونَ﴾
وفي رواية ، قال : « إنّي أخلق خلقا بيدي ، وأجعل في ذرّيته الأنبياء والمرسلين ، وعبادي الصّالحين ، وأئمّة مهديّين ، أجعلهم خلفائي في أرضي ، على خلقي يهدونهم إلى طاعتي ، وينهونهم عن معصيتي ، وأجعلهم حجّة لي عليهم » (٦) .
أقول : في خلق هذا النوع كمال قدرته وكمال رحمته وفضله وبعصاتهم ظهور صفة عفوه
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٢٦.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٩٣.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٩٥.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٧ ، تفسير العياشي ١ : ١١٤ / ١١٠.
(٥) في النسخة : التي.
(٦) تفسير القمي ١ : ٣٧.