يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين. أ ليس الله يقول : ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾(١)
ثمّ إذا كان حقّ الوالدين الجسمانيّين بهذه الدّرجة من العظم ، فما أعظم حقّ الوالدين الروحانيّين من النبيّ والوصيّ ! فإنّ إحسانهما وإنعامهما بأولادهما المؤمنين لا يقاس بالوالدين الظاهريّين الجسمانيّين ، فإذا كانا أفضل وأحقّ بمراتب لا تحصى ، كانا بالشّكر أحقّ وأولى.
عن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أفضل والديكم وأحقّهما بشكركم محمّد وعليّ » (٢) .
وعن علي عليهالسلام قال : « سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : أنا وعليّ أبوا هذه الامّة ، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم ، فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النّار إلى دار القرار ، ونلحقهم من العبوديّة بخيار الأحرار » (٣) .
ثمّ أمر بالإحسان بذي القربى بقوله : ﴿وَذِي الْقُرْبى﴾ وهم الذين يعدّون في العرف أرحاما وأقرباء للشّخص ، وإنّما أردف الأمر بالإحسان إليهم بإحسان الوالدين لأنّ حقّهم تابع لحقّهما ، حيث إنّ الإنسان متّصل بهما.
أمّا السبب الأعظم في التأكيد في رعاية هذا الحقّ ، أنّ الارتباط النّسبيّ مقتض للاتّحاد والالفة ، ومنشأ لزيادة حسن الرّعاية والنصرة ، فلو لم يحصل لكان أشقّ على القلب وأبلغ في الإيلام ، وكلّما كان موجب التّألّم أقوى كان دفعه أوجب.
عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من راعى حقّ قرابات أبويه ، اعطي في الجنّة ألف ألف درجة » (٤) ثمّ فسّر الدّرجات ، ثمّ قال : « من راعى حقّ قربى محمّد وعليّ اوتي من فضائل الدّرجات وزيادة الثواب على قدر زيادة فضل محمّد وعليّ على أبوي نسبه » (٥) .
﴿وَالْيَتامى﴾ : وهم الصّغار المنقطعون عن آبائهم الكافلين لامورهم. ووجه إرداف الإحسان بهم للإحسان بالأقارب ، أنّ في حفظ الصّغار وتدبير امورهم وصحبتهم مع كمال الرعاية لهم مشقّة
__________________
(١) الكافي ٢ : ١٢٦ / ١ ، والآية من سورة آل عمران : ٣ / ٩٢.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٣٠ / ١٨٩.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٣٠ / ١٩٠.
(٤) في تفسير العسكري عليهالسلام : ألف درجة.
(٥) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٣٣ / ٢٠٢.