إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا﴾ المكان ﴿بَلَداً آمِناً﴾ قيل : أي مأمونا من الخسف والمسخ والقتل (١) .
﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ﴾ وساكنيه ﴿مِنَ الثَّمَراتِ﴾ والمأكولات التي تخرج من الأرض والشجر ، من الأطعمة والفواكة ، فجمع في دعائه لأهله بين الأمن والسّعة وطيب العيش.
ثمّ أنّه عليهالسلام لمّا رأى احتجاب دعائه بالإمامة لذرّيّته في حقّ الظالمين منهم ، كأنّه احتمل احتجاب هذا الدعاء أيضا في حقّهم ، فخصّه بالمؤمنين بقوله : ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
وأخرج الظالمين عن مسألة درّ الرّزق عليهم ، فدفع الله هذا التوهمّ ، وكأنّه ﴿قالَ﴾ لا أخصّ الرّزق بالمؤمنين منهم ، بل أرزق من آمن منهم ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ حيث إنّ النعم الدنيويّة ليست كالإمامة ، بل تعمّ الكافر والمؤمن ، إلّا أنّ المؤمن تتّصل نعمه الدنيويّة بالنعم الأخرويّة ، وأمّا الكافر ﴿فَأُمَتِّعُهُ﴾ تمتيعا ﴿قَلِيلاً﴾ من النعم الدنيويّة التي لا قدر لها في المدّة القليلة من عمره ، ثمّ أقطعها عنه بموته ﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ﴾ والجئه ﴿إِلى عَذابِ النَّارِ﴾ الذي لا انقطاع له ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ والمرجع ذلك العذاب الشّديد الدائم.
عن ( العلل ) : عن الرضا عليهالسلام : « لمّا دعا إبراهيم عليهالسلام أن يرزق أهله من الثمرات ، أمر بقطعة من الأردنّ فسارت بثمارها حتّى طافت بالبيت ، ثمّ أمرها أن تنصرف إلى هذا الموضع الذي سمّي بالطائف ، ولذلك سمّي طائفا » (٢) .
قال بعض : الأردنّ ، بضمّتين : كورة بالشّام (٣) .
قيل : إنّ وجه اختلاف هذه الآية مع ما في سورة إبراهيم (٤) - حيث قال هنا : ﴿اجْعَلْ هذا بَلَداً﴾ بغير اللّام ، وهناك مع اللّام - أنّ دعوته هنا كانت قبل بناء البلد ، وهناك بعد بنائه (٥).
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا
مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٢٧.
(٢) علل الشرائع : ٤٤٢ / ٢.
(٣) معجم البلدان ١ : ١٧٦ ، لسان العرب ١٣ : ١٧٨.
(٤) في قوله تعالى : ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) ابراهيم : ١٤ / ٣٥.
(٥) تفسير الرازي ٤ : ٥٥.