ثمّ أنّه تعالى بعد بيان اعتراضات اليهود على النبوّة وردّها ، أخبر بأنّهم سيعترضون على دين الإسلام بوقوع النّسخ فيه بتغيير القبلة من جهة بيت المقدس إلى جهة الكعبة المعظّمة ، بقوله : ﴿سَيَقُولُ السُّفَهاءُ﴾ والخفاف العقول ﴿مِنَ النَّاسِ﴾ الراغبين عن ملّة إبراهيم عليهالسلام كاليهود.
في اعتراض اليهود على دين الإسلام بوقوع النسخ فيه ، وعلى النبي صلىاللهعليهوآله بتغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
قيل : إنّهم ابتدءوا بالاعتراض لأنّهم كانوا يأنسون بموافقة الرّسول صلىاللهعليهوآله معهم في القبلة ، وكانوا يظنّون أنّ هذه الموافقة ربّما تدعوه إلى موافقتهم بالكلّيّة ، ولمّا تحوّل عنها اغتمّوا واعترضوا عليه. ثمّ وافقهم المشركون من العرب لأنّهم كانوا متأذّين من توجّهه إلى بيت المقدّس ، وقالوا : رغب عن ملّة آبائه ، ثمّ رجع إليها. ثمّ تبعهم المنافقون لحرصهم على الاستهزاء بالدّين ، فعابوا جميعهم على الرّسول والمؤمنين بقولهم : ﴿ما وَلَّاهُمْ﴾ وأيّ صارف صرفهم ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا﴾ مواظبين ﴿عَلَيْها﴾ متوجّهين في صلاتهم إليها ، وهي بيت المقدس.
عن ( الاحتجاج ) و( تفسير الإمام عليهالسلام ) : أنّه قال : « لمّا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكّة أمره الله عزوجل أن يتوّجه نحو بيت المقدس في صلاته ، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن ، وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة ، فلمّا كان بالمدينة وكان متعبّدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا. وجعل قوم من مردة اليهود يقولون : والله لا يدري كيف يصلّي حتّى صار يتوجّه إلى قبلتنا ، ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا » (١) .
وروي من طرق العامّة : أن النبيّ صلىاللهعليهوآله صلّى إلى نحو بيت المقدس بعد مقدمه المدينة نحوا من سبعة عشر شهرا ، تأليفا لقلوب اليهود ثمّ صارت الكعبة قبلة المسلمين إلى نفخ الصّور (٢) .
وحاصل اعتراض اليهود : أنّ البدء محال على الله بالاتّفاق لأنّه مستلزم لجهله بالمصالح ، وأمّا النسخ فإن كان واقعيا حقيقيا فهو عين البداء ، وإن كان صوريا ظاهريّا ، بمعنى أنّ الحكم الواقعيّ وصلاحه كان في الواقع مقيّدا بوقت محدود ، فعدم إظهار الحدّ وإطلاق الحكم في ظاهر اللّفظ بحيث يفهم العرف أبديّته ، مستلزم للتّجهيل ، وهذا قبيح ومحال على الله ، فردّهم الله بقوله : ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٩٢ / ٣١٢ ، الاحتجاج : ٤٠.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٤٧.