تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ
النَّارِ (١٦٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما قرّر توحيد ذاته المقدّسة بالدلائل القاهرة والبراهين الظاهرة ، أردفه بتقبيح الشّرك الذي هو ضدّ التّوحيد ، بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ﴾ ويختار ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه من الأصنام ورؤساء الضّلال والمطاعين الذين لم ينصّبهم الله للطّاعة والاتّباع ﴿أَنْداداً﴾ وأمثالا له في الألوهيّة ، وشركاء له في العبادة والطّاعة ، حال كون المتّخذين للأنداد ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ حبّا كائنا ﴿كَحُبِّ اللهِ﴾ ويسوّون بينهم وبينه في التّعظيم والطّاعة ، بل يتّبعونهم فيما خالف رضاه.
عن ( الكافي ) و( العياشي ) : عن الصادق (١) عليهالسلام : « هم والله أولياء فلان وفلان [ وفلان ] ، اتّخذوهم أئمّة [ من ] دون الإمام الذي جعله الله للنّاس اماما » (٢) الخبر.
وعن بعض العرفاء : كلّ شيء شغف (٣) قلبك به سوى الله تعالى فقد جعلته ندّا له (٤) .
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ وفي رواية : هم آل محمّد صلىاللهعليهوآله (٥)﴿أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ من هؤلاء المشركين حيث إنّهم بمعرفتهم عظمة الرّبوبيّة لا يميلون إلى غيره ، ولا يتوجّهون إلى ما سواه ، بخلاف المشركين الذين يعدلون بهوى أنفسهم من صنم إلى صنم.
عن ابن عبّاس : أن المشركين كانوا يعبدون صنما ، فإذا رأوا صنما (٦) أحسن منه تركوا ذلك وأقبلوا إلى عبادة الأحسن ، انتهى (٧) .
وبخلاف أتباع رؤساء الضلالة وأئمّة الكفر فانّهم يميلون مع كلّ ريح ، ويتّبعون كلّ ناعق.
روي أنّه جاء أعرابي إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله ، متى السّاعة ؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « ما أعددت لها ؟ » فقال : ما أعددت كثير صلوات ولا صيام ، إلّا أنّي أحبّ الله ورسوله. فقال صلىاللهعليهوآله : « المرء مع من أحبّ » . فقال أنس : فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك (٨) .
وروي أنّ عيسى عليهالسلام مرّ بثلاثة نفر وقد نحلت أبدانهم وتغيّرت ألوانهم ، فقال لهم : ما الذي بلغ بكم
__________________
(١) في الكافي : عن الباقر.
(٢) الكافي ١ : ٣٠٦ / ١١ ، تفسير العياشي ١ : ١٧٣ / ٢٤٨.
(٣) في تفسير الرازي وتفسير روح البيان : شغلت.
(٤) تفسير الرازي ٤ : ٢٠٤ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٩١.
(٥) تفسير العياشي ١ : ١٧٤ / ٢٤٩ ، تفسير الصافي ١ : ١٩١.
(٦) فى تفسير الرازي : شيئا.
(٧) تفسير الرازي ٤ : ٢٠٨.
(٨) تفسير الرازي ٤ : ٢٠٥.