إلى ما أرى ؟ فقالوا : الخوف من النّار. فقال : [ حقّ ] على الله أن يؤمن الخائف.
ثمّ تركهم إلى ثلاثة آخرين ، فإذا هم أشدّ نحولا وتغيّرا. فقال لهم : ما الذي بلغ بكم إلى هذا المقام ؟ قالوا : الشّوق إلى الجنّة. فقال : حقّ على الله أن يعطيكم ما ترجون.
ثمّ تركهم إلى ثلاثة آخرين ، فإذا هم أشدّ نحولا وتغيّرا ، كأنّ وجوههم المرايا من النّور ، فقال : كيف بلغتم إلى هذه الدّرجة ؟ قالوا : بحبّ الله. فقال عليهالسلام : أنتم المقرّبون إلى الله يوم القيامة (١) .
ونقل عن بعض الكتب : عبدي أنا وحقّك ، لك محبّ ، فبحقّي عليك ، كن لي محبّا (٢) .
ثمّ شرع الله تعالى في تهديد المشركين بقوله : ﴿وَلَوْ يَرَى﴾ ويعلم ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسهم باعتقادهم الشّرك واتّخاذهم الأنداد لله - والأمثال لمحمّد وآله الأبرار ( صلوات الله عليهم ) - من الكفّار والفجّار ﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ﴾ ويوم يشاهدون فيه ما اعدّ لهم من العقاب والنّكال ، وعجز أنفسهم عن الدّفاع ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ﴾ على الامور ﴿جَمِيعاً﴾ لا قوّة ولا قدرة لأحد غيره ﴿وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ﴾ عليهم ، فيدخلهم من النّدم والتحسّر ما لا يدخل تحت الوصف ، ويخرج عن حدّ التصوّر.
﴿إِذْ تَبَرَّأَ﴾ الأصنام ورؤساء الضّلال ﴿الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ واطيعوا في الباطل ﴿مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ هم وأفنوا أعمارهم في عبادتهم وطاعتهم باعتقاد أنّهم أوكد أسباب نجاتهم في الآخرة ﴿وَ﴾ الحال أنّ المتبوعين ﴿رَأَوُا﴾ وعاينوا ﴿الْعَذابَ﴾ المعدّ لهم على إضلالهم ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ﴾ وزالت عنهم وسائل النّجاة من الشّدائد ، من القرابة والموادّة والمعاهدة والتابعيّة ، فعند ذلك لا يقدرون على خلاص أنفسهم ، فكيف بخلاص أتباعهم ؟ ولهذا يتبرّؤون منهم.
ويحتمل أن تكون الجملتان بيانا لحال الأتباع ، ويكون المعنى : والحال أنّ الأتباع رأوا العذاب وانقطعت عنهم الوسائل ، فتوسّلوا بالرؤساء في نهاية استئصالهم وشدّة الحاجة إليهم ، طمعا في إعانتهم لهم ، وشفاعتهم عنهم. فإذا رأوا تبرّؤ الرؤساء منهم ، يدخلهم نهاية الحسرة وغاية النّدامة ، ﴿وَ﴾ حينئذ ﴿قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ وأطاعوا رؤساء الضّلال ، تمنيّا : ﴿لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً﴾ ورجعة إلى الدنيا ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ﴾ فيها عند ابتلائهم بالشّدائد وحاجتهم إلينا ﴿كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا﴾ في الآخرة.
﴿كَذلِكَ﴾ الإرادة الفظيعة ﴿يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ﴾ حال كونها ﴿حَسَراتٍ﴾ مستولية ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وندامات واردة بهم ، فكأنّهم لا يرون أعمالهم ، بل يرون مكانها الحسرة والنّدامة.
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ٢٠٥.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ٢٠٥.