الشّرك ، وكانوا على الفطرة والاستعداد لقبول الحقّ ، كما عن ( المجمع ) عن الباقر عليهالسلام : « أنّهم كانوا قبل [ نوح ] امّة واحدة على فطرة الله ، لا مهتدين ولا ضلّالا » (١) الخبر.
﴿فَبَعَثَ اللهُ﴾ فيهم ﴿النَّبِيِّينَ﴾ حال كونهم ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ للمؤمنين بوحدانيّته وأنبيائه وشرائعه ، بفضله وثوابه ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ للكافرين بها من عقابه.
عن ( الكافي ) : عن الصادق عليهالسلام قال : « كان [ النّاس ] قبل نوح امّة ضلال ، فبدا لله فبعث النبيّين ، وليس كما يقولون : لم يزل ، [ و] كذبوا ، يفرق [ الله ] في ليلة القدر ما كان من شدّة أو رخاء أو مطر بقدر ما شاء أن يقدّر إلى مثلها » (٢) الخبر.
لعلّ المراد أنّ الله لم يترك الخلق سدى ، وما كانت يده مغلولة ، فكما أنّه يدبر أمور معاشهم في كلّ آن ويقدّرها في كلّ سنة ، كذلك يدبّر امور دينهم ببعث الرّسل.
إشكال وحلّ
فإن قلت : يلزم على الرّوايتين أن يكون زمان [ ما ] خاليا من الحجّة ، وهو خلاف ما عليه الإماميّة وما دلّت عليه الرّوايات المتظافرة إن لم تكن متواترة.
قلت : لعلّ التّرتّب المستفاد من الفاء هو التّرتّب العقليّ لا الزّماني ، فإن النّبيّ وإن كان قبل الخلق ، ولكن البعث لا يتحقّق إلّا بعد وجود المبعوث إليه ، فيكون مفاد الآية - والله العالم - أنّه لو لم يكن بعث النّبيّين ، لم يكن اختلاف بين النّاس لأنّ كلّهم كانوا جهّالا وضلّالا ، فلمّا بعث الرّسل حدث الاختلاف بينهم ، ولم يحدث إلّا بوجود الاخلاق الرّذيلة من الحسد والبغي على النّبيّ صلىاللهعليهوآله.
توضيح بتمثيل
وهذا نظير ما قيل من أنّ الأجسام ليس لها لون وإنّما اللّون إذا أشرقت الأجسام ، فإذا وقع الشّعاع على الجسم فبحسب الاستعداد الّذي يكون للجسم يحصل للنّور لون مناسب لما في كون الجسم من الاستعداد والخصوصيّة ، ففي الحقيقة الألوان المختلفة تكون للنّور لا للجسم ، وانّما يظهر كلّ لون من الألوان للنّور بسبب انعكاسه على الجسم الذي تكون فيه خصوصيّة مناسبة لذلك اللّون ، فكذلك النّفوس البشريّة ليس فيها فعليّة الاختلاف في الإيمان والكفر ، ولو لم يكن إشراق نور شمس النبوّة والهداية ، كانت جميع النّفوس متساوية. فإذا أشرق نور النبوّة ظهر الاختلاف فيهم بالإيمان والكفر على حسب اختلاف الاستعدادات والخصوصيّات ، فمن كانت نفسه مستعدّة لقبول الحقّ ، ولم يغلب عليها الحسد والبغي يكون من أهل الإيمان على اختلاف مراتبه ، ومن فيه الخباثة
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٥٤٣.
(٢) الكافي ٨ : ٨٢ / ٤٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٢٤.