والحسد وحبّ الجاه يكون من أهل الكفر والعناد على اختلاف مراتبهما.
ويمكن أن يقال كما قيل : إنّ الخلق قبل بعث الرّسل - حتّى آدم عليهالسلام - كانوا على العقائد العقليّة ، كوحدة الصّانع ، والأحكام العقليّة كوجوب شكره وقبح الظّلم والكذب ، وحسن العدل والاحسان وغير ذلك ، فلمّا نزلت الأحكام الشرعية من العبادات والسياسات على آدم عليهالسلام وبعث على أولاده انقادوا له ، ثمّ حصل الاختلاف بين قابيل وهابيل ، وابدع الكفر.
ثمّ بعد وفاة آدم عليهالسلام وبعد برهة من الزّمان نسوا الشّرائع الالهيّة ورجعوا إلى الشرائع العقليّة ، ثمّ بعث الله النبيّين ، ثمّ اختلفوا لأسباب مفصّلة ، وللأخلاق الرّذيلة.
واشير إلى هذا المعنى فيما روي عن الصادق عليهالسلام قال : « [ كان ] هذا قبل بعث نوح ، كانوا امّة واحدة فبدا لله فأرسل الرّسل قبل نوح » .
قيل : أعلى هدى كانوا أم على ضلال ؟ قال : « بل كانوا ضلّالا ، لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين » (١) .
وفي رواية عنه عليهالسلام قال : « ذلك أنّه لمّا انقرض آدم وصالح ذرّيّته ، بقي شيث وصيّه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذرّيّته ، وذلك أنّ قابيل توعّده بالقتل كما قتل أخاه هابيل ، فسار فيهم بالتقيّة والكتمان فازدادوا كلّ يوم ضلالا حتّى لحق الوصيّ بجزيرة في البحر يعبد الله ، فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرّسل. ولو سئل هؤلاء الجهّال لقالوا : قد فرغ من الأمر ، وكذبوا ، إنّما شيء يحكم به الله في كلّ عام [ ثمّ قرأ ] : ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾(٢) فيحكم الله تعالى ما يكون في تلك السنة من شدّة أو رخاء ، أو مطر أو غير ذلك » .
قيل : أفي ضلالة كانوا قبل النبيّين أم على هدى ؟ قال : « لم يكونوا على هدى ، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله ، ولم يكونوا ليهتدوا حتّى يهديهم الله ، أما تسمع قول إبرهيم عليهالسلام : ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾(٣) ؟ أي ناسيا للميثاق » (٤) الخبر.
في ذكر غيبة القائم عليهالسلام وعدم استلزامها منع اللطف
وليعلم أنّ غيبة شيث كغيبة القائم المنتظر عليهالسلام في آخر الزّمان ، ولا يلزم منها منع لطف على الله ، فإنّ تأسيس الدّين وإتمام الحجّة على الخلق كان سببة النبيّ الشارع والأوصياء بعد الأنبياء ، الذين هم ذوو الشرائع كوصيّ خاتم النّبيّين صلىاللهعليهوآله حفّاظ
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٢١٥ / ٤١٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٢٤.
(٢) الدخان : ٤٤ / ٤.
(٣) الأنعام : ٦ / ٧٧.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٢١٦ / ٤١٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٢٤.