وعنهم عليهمالسلام : « أنّ أوّل ما نزل في تحريم الخمر قول الله تعالى : ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما﴾ فلمّا نزلت هذه الآية أحسّ القوم بتحريمها [ وتحريم الميسر ] وعلموا أنّ الأثم ممّا ينبغي اجتنابه ، ولا يحمل الله عزوجل عليهم من كلّ طريق ، لأنّه قال : ﴿وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ﴾ ثمّ أنزل الله تعالى آية اخرى : ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فكانت هذه الآية أشدّ وأغلظ في التّحريم ، ثمّ ثلث بآية اخرى فكانت أغلظ من الآية الأولى والثّانية وأشدّ ، فقال تعالى : ﴿إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾(١) فأمر الله تعالى باجتنابهما » الخبر (٢) .
وعن بعض العامّة : لمّا نزلت الآية ، قال عمر : قد انتهينا يا ربّ (٣) .
أقول : فيه دلالة على أنّه كان يشربه.
قيل : حرّمت الخمر في السنّة الثالثة من الهجرة بعد غزوة الأحزاب بأيّام (٤) .
وقيل في وجه تحريم الخمر على هذا التّرتيب : إنّه تعالى علم أنّ القوم كانوا ألفوا شرب الخمر ، وكان انتفاعهم به كثيرا ، وعلم أنّه لو منعهم دفعة واحدة لشقّ عليهم ، فلا جرم استعمل في التّحريم التّدريج والرفق.
ثمّ لمّا أنزل التّحريم اريقت الخمر (٥) . قال ابن عمر : خرجنا بالحباب إلى الطّريق فمنّا من كسر حبّه ، ومنّا من غسله بالماء والطّين ، ولقد غودرت أزقّة المدينة بعد ذلك حينا كلّما مطرت استبان فيها لون الخمر ، وفاحت منها ريحها ، [ وحرّمت الخمر ] ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها ، وما حرّم الله عليهم شيئا أشدّ من الخمر (٦) .
ثمّ أنّه تعالى حكى السؤال الخامس بقوله : ﴿وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ﴾ وأيّ مقدار من أموالهم يبذلون ؟ قيل : إنّ السائل عمرو بن الجموح ، حيث سأل أوّلا عمّا ينفق من الأموال ، وعن مصرفه ، ثمّ سأل عمّا ينفق من حيث المقدار والكمّيّة (٧) ، فأجاب سبحانه بقوله : ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ قيل : إنّه الزائد عمّا
__________________
(١) المائدة : ٥ / ٩٠ و٩١.
(٢) الكافي ٦ : ٤٠٦ / ٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٢٨.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ٤٠ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٣٩.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٣٣٩.
(٥) تفسير روح البيان ١ : ٣٣٩.
(٦) تفسير روح البيان ١ : ٣٣٩.
(٧) تفسير أبي السعود ١ : ٢١٩.