قيل : إنّ المسلمين أخذوا بإطلاق الاعتزال (١) فأخرجوهنّ من بيوتهنّ ، فقال جمع من الأعراب : يا رسول الله ، البرد شديد والثّياب قليلة ، فإن آثرناهنّ بالثّياب هلك سائر أهل البيت ، وإن استأثرناها هلكت الحائض. فقال صلىاللهعليهوآله : « إنّما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ، ولم آمركم بإخراجهنّ من البيوت كفعل الأعاجم » فلمّا سمع اليهود ذلك ، قالوا : هذا الرّجل يريد أن لا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه.
ثمّ جاء عباد بن بشير واسيد بن حضير إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبراه بذلك ، وقالا : يا رسول الله ، أفلا ننكحهنّ في المحيض ؟ فتغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى ظننّا أنّه غضب عليهما ، فقاما فجاءته هديّة من لبن ، فأرسل النبيّ صلىاللهعليهوآله إليهما فسقاهما ، فعلمنا أنّه صلىاللهعليهوآله لم يغضب عليهما (٢) .
ثمّ أنّه ورد في أخبار كثيرة أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام وأكثره عشرة (٣) .
ثمّ بيّن سبحانه غاية وجوب الاعتزال بقوله : ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَ﴾ بالمجامعة في القبل ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ من الحيض وينقطع الدّم عن باطن الفرج ، ويعلم ذلك بالاختبار.
وفي رواية : ( حتّى يطّهّرن ) بالتشديد (٤) ، أي يغتسلن.
عن الصادق عليهالسلام [ سئل ] : ما لصاحب المرأة الحائض منها ؟ فقال : « كلّ شيء ما عدا القبل بعينه » (٥) .
وعنه عليهالسلام قال : « ترى هؤلاء المشوّهين في خلقهم ؟ « قال : قلت : نعم. قال : « هؤلاء الذين آباؤهم يأتون نساءهم في الطمث » (٦) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من جامع امرأته وهي حائض فخرج الولد مجذوما أو أبرص فلا يلومنّ إلّا نفسه » (٧) .
﴿فَإِذا تَطَهَّرْنَ﴾ واغتسلن غسل الحيض ، وقيل : إنّ المراد : إذا طهرن ﴿فَأْتُوهُنَ﴾ وجامعوهنّ ، وليكن الإتيان والمجامعة ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ عن ابن عبّاس : من حيث أمركم الله بتجنّبه ، وهو محلّ الحيض ، أعني القبل (٨) .
وقيل : من حيث الطّهر دون الحيض (٩) .
__________________
(١) في تفسير الرازي : أخذ المسلمون بظاهر الآية.
(٢) تفسير الرازي ٦ : ٦٣.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ٦٧.
(٤) تفسير الرازي ٦ : ٦٨.
(٥) الكافي ٥ : ٥٣٨ / ١.
(٦) الكافي ٥ : ٥٣٩ / ٥.
(٧) من لا يحضره الفقيه ١ : ٥٣ / ٢٠١.
(٨ و٩) . كنز العرفان ١ : ٤٥ / ٦.