وتدخلوا بهنّ ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ﴾ وسمّيتم في ضمن عقد النّكاح ﴿لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ ومهرا مقدّرا ﴿فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ﴾ من المهر يستقرّ في ملكهنّ ويرجع إليكم النّصف الآخر. فحينئذ يجب عليكم إعطاء ما استقرّ للمطلّقات في كلّ حال ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ أزواجهنّ من النّصف ، بأن يبذلنها لهم ولا يطالبنهم إن كنّ كبارا غير مولّى عليهنّ ﴿أَوْ يَعْفُوَا﴾ من النّصف الوليّ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ﴾ وفي سلطنته ﴿عُقْدَةُ النِّكاحِ﴾ وهو الأب ، والجدّ للأب ، إذا كنّ قاصرات عن التّصرّف ، كالصّغيرة والمجنونة ، هذا هو المعروف بين الإماميّة ، وتضافرت به أخبار أهل البيت عليهمالسلام.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « هو الزوج » (١) . وعليه جلّ العامّة ، سوى الشّافعي (٢) . ومعنى عفو الزوج إعطاء جميع المهر.
وعن جبير بن مطعم ، أنّه تزوّج امرأة وطلّقها قبل الدّخول ، وأكمل لها الصّداق ، وقال : أنا أحقّ بالعفو (٣) .
﴿وَأَنْ تَعْفُوا﴾ أيّها المطلّقات والأولياء ، ويمكن إدخال الزوّج في الخطاب على التفسير الثاني ، وتذكير الخطاب لتغليب جانب الذّكور ، فيكون المراد أنّ العفو من الزوج والزوجة وأوليائها ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ فإنّ من سمح بحقّه الحلال يكون أقرب إلى ترك الظّلم ، والتجنّب عن المال الحرام وسائر المعاصي.
عن ( الكافي ) : عن الباقر عليهالسلام ، أنّه حلف على ضرب غلامه ، فلم يف به ، فلمّا سئل عنه قال : « أليس الله يقول : ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ ... » الخبر (٤) . وفيه تنبيه على أنّ حسن العفو لا يختصّ بالمهر ، بل يعمّ جميع ما يليق للعفو.
ثمّ لمّا كان الطّلاق قبل المسيس سببا لتأذّي المرأة ، وإعطاء نصف المهر قبل الدّخول موجبا لتأذّي الزوّج ، أكّد الله تعالى الأمر بالعفو والإحسان بالنهي عن ترك التفضّل بقوله : ﴿وَلا تَنْسَوُا﴾ ولا تتركوا ﴿الْفَضْلَ﴾ والإحسان فيما ﴿بَيْنَكُمْ﴾
ثمّ بعد التأكيد أردفه بالوعد بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فلا يكاد يضيع عملكم من التّفضّل والإحسان. ويحتمل أن تكون الجملة تهديدا على ترك التفضّل.
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ٢٤٥.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٩٧.
(٣) تفسير البيضاوي ١ : ١٢٨.
(٤) الكافي ٧ : ٤٦٠ / ٤.