القرآن أجمعه من العسب واللخاف (١) وصدور الرجال ، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاريّ لم أجدها مع غيره ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾(٢) حتّى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله ، ثمّ عند عمر حياته ، ثمّ عند حفصة بنت عمر (٣) .
وعن اللّيث بن سعد ، قال : أول من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت ، فكان لا يكتب آية إلّا بشهادة عدلين ، وإنّ آخر سورة براءة لم توجد إلّا مع خزيمة بن ثابت ، فقال : اكتبوها ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب. وإنّ عمر أتى بآية الرّجم ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما بما قضيا من اللّذّة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) (٤) فلم يكتبها لأنّه كان وحده (٥) .
وعن ابن أبي داود ، قال : قدم عمر وقال : من [ كان ] تلقّى شيئا من القرآن من رسول الله صلىاللهعليهوآله فليأت به. وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتّى يشهد شيهدان (٦) .
وعن [ ابن ] أبي داود : أنّ عمر سأل عن آية من كتاب الله ، فقيل : كانت مع فلان ، قتل يوم اليمامة. فقال : إنّا لله ، وأمر بجمع القرآن ، فكان أوّل من جمعه (٧) .
أقول : لعمري ، إنّ في هذه الأخبار تضعيف الثقل الأكبر وتوهين نبوّة خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله وتخريب أساس الدّين ، وتلقين الملحدين الحجّة في إنكار تواتر الكتاب المبين ، وليس ببعيد من
__________________
(١) العسب : جمع العسيب ، وهي جريدة النخل المستقيمة ، يكشط خوصها ، واللخاف : جمع اللّخفة : وهي حجر أبيض عريض رقيق.
(٢) التوبة : ٩ / ١٢٨.
(٣) صحيح البخاري ٦ : ٣١٤ / ٨ ، الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٣.
(٤) من الثابت أن القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر ، وقد نقلته الجماعة عن الجماعة وذلك مقطوع به عند جميع أهل الإسلام ، وآية الرجم المزعومة منقولة بالآحاد ، بدليل قوله في آخر الحديث ( فلم يكتبها لانّه كان وحده ) والقرآن لا يثبت إلّا بالتواتر ، وعليه فإن أمثال هذه الروايات لا يؤخذ بها في إثبات القرآن الكريم ، فإن أمكن حملها على أحد وجوه الحمل وإلّا فليضرب بها الجدار.
وقد حمل ابن حزم في ( المحلّى ) آية الرجم على نسخ التلاوة ، أي مما نسخ لفظه وبقي حكمه. هو حمل باطل ، لأنها لو كانت منسوخة التلاوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف. وفي برهان الزركشي ٢ : ٤٣ أن ابن ظفر أنكر في ( الينبوع ) عدّها مما نسخ تلاوة وقال : لأنّ خبر الواحد لا يثبت القرآن. وحملها أبو جعفر النحاس على السنة حيث قال : ليس حكمها حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ، لكنها سنة ثابتة. راجع : سلامة القرآن من التحريف : ٦٤.
(٥) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٦.
(٦) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٥.
(٧) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٤.