فقالت : أشهد أنّك عزير. فانطلقت إلى محلّة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ، وكان في المجلس ابن العزير ، قد بلغ مائة وثماني عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ ، فنادت : هذا عزير قد جاءكم ، فكذّبوها ، فقالت : انظروا ؛ فإنّي بدعائه رجعت إلى هذه الحالة ، فنهض النّاس ، فأقبلوا إليه ، فقال ابنه : كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه مثل هذا الهلال ، فكشف فإذا هو كذلك ، وقد كان قتل بخت نصّر ببيت المقدس من قرّاء التّوراة أربعين ألف رجل ، ولم يكن بينهم يومئذ نسخة من التّوراة ، ولا أحد يعرف التّوراة ، فقرأها عليهم عن ظهر قلبه من غير أن يخرم منها حرفا - أي ينقص ويقطع - فقال رجل من أولاد المسبيّين ، ممّن ورد بيت المقدس بعد مهلك بخت نصّر : حدّثني أبي ، عن جدّي أنّه دفن التّوراة يوم سبينا في خابية في كرم ، فإن أريتموني كرم جدّي أخرجتها لكم ، فذهبوا إلى كرم جدّه ففتّشوه فوجدوها ، وعارضوها (١) بما أملى عليهم عزير عن ظهر القلب ، فما اختلفا في حرف واحد ، فعند ذلك قالوا : عزير ابن الله (٢) .
وعن ( المجمع ) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّ عزيرا خرج من أهله ، وامرأته حامل ، وله خمسون سنة ، فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه ، فرجع إلى أهله ابن خمسين ، وله ابن له مائة سنة ، فكان ابنه أكبر منه ، فذلك من آيات الله » (٣) .
اعلم أنّ الروايات في هذه القضيّة ، وإن كانت مختلفة من جهات عديدة ، إلّا أنّه لا يهمّنا الجمع بينها بالتّكليف ، لعدم حجّيّتها ، وعدم ترتّب أثر عليها ، وأنّها كانت تدلّ على قدرة الله وصحّة المعاد الجسماني.
﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ
مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى - لازدياد يقين المؤمنين بالمعاد حتّى يخرجوا من ظلمات الجهل أو ضعف اليقين إلى نور حقّ اليقين - أردف قصّة عزير بقصّة تضاهيها عن إبراهيم عليهالسلام ، وكان دليلا آخر على ولايته تعالى
__________________
(١) عارضوها : أي قابلوها.
(٢) تفسير أبي السعود ١ : ٢٥٥ ، تفسير روح البيان ١ : ٤١٤.
(٣) مجمع البيان ١ : ٦٤١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٦٩.