في بعض يوم واحد ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ ولم يتغيّر في السّنين المتطاولة.
روي أنّه رأى تينة وعنبة كما جنى ، وعصيره كما عصر (١) ، ثمّ لمّا رأى ذلك ، وكان مجال توهّم الاستدلال به على قصر مدّة موته ، دفع الله ذلك التّوهّم بإقامة دليل قاطع على طول مدّة موته بقوله : ﴿وَانْظُرْ إِلى﴾ عظام ﴿حِمارِكَ﴾ كيف صار رميما ، ليتبيّن لك موتك في المدّة المديدة ، وإنّما فعلنا ما رأيت من الإماتة وإحياء الرّمم ، وحفظ التّين والعصير من التّغيير والفساد ، لتشاهد كمال قدرتنا وتزداد يقينا بالمعاد ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً﴾ نافعة ﴿لِلنَّاسِ﴾ جميعا ، حيث يزدادون بقضيّتك معرفة ويقينا.
ثمّ لمّا أمره أوّلا بالنّظر إلى الحمار البالي ؛ لتبيين طول مدّة موته ، أمره ثانيا بالنّظر إلى عظام نفسه ، أو عظام حماره بقوله : ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ﴾ المتفرّقة الرّميمة ﴿كَيْفَ نُنْشِزُها﴾ ونرفع بعضها إلى بعض ، ونردّها إلى أماكنها من الجسد ﴿ثُمَّ نَكْسُوها﴾ ونلبسها ﴿لَحْماً﴾ ونسترها به ؛ ليشاهد به كيفيّة الإحياء في نفسه ، أو في غيره ، بعد ما شاهدها في نفسه.
في رواية عن القمّي ، عن الصادق عليهالسلام : « فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطّرة تجتمع إليه ، وإلى اللّحم الذي قد أكلته السّباع ، يتالف إلى العظام من هاهنا وهاهنا ويلتزق بها ، حتى قام وقام حماره » (٢) .
وفي رواية اخرى : ونظر إلى عظامه كيف تلتئم وتلبس اللّحم ، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل ، فاستوى قاعدا (٣)﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ كمال قدرة الله بما عاين من إحياء الرّمم ﴿قالَ أَعْلَمُ﴾ الآن بالشّهود ﴿أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ ممّا أمكن وأراد ﴿قَدِيرٌ﴾ لا يستعصي عليه أمر.
قصّة عزير النبيّ
روي أنّه ركب حماره وأتى محلّته ، فأنكره النّاس ، وأنكر النّاس ، وأنكر المنازل ، فانطلق على وهم منه حتّى أتى منزله ، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أدركت زمن عزير ، فقال لها عزير : يا هذه ، هذا منزل عزير ؟ قالت : نعم. وأين ذكرى عزير وقد فقدناه منذ كذا وكذا ! فبكت بكاء شديدا ، قال : فإنّي عزير ، قالت : سبحان الله أنّى يكون ذلك ؟ قال : قد أماتني الله مائة عام ، ثمّ بعثني.
قالت : أنّ عزيرا كان مستجاب الدّعوة ، فادع الله بردّ بصري حتى أراك ، فدعا ربّه ، ومسح بين عينيها ففتحتا ، فأخذ بيدها ، فقال : قومي بإذن الله ، فقامت صحيحة كأنّها انشطت من عقال (٤) ، فنظرت إليه ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٤١٣.
(٢) تفسير القمي ١ : ٩٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٦٧.
(٣) الاحتجاج : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢٦٨.
(٤) أنشطت من عقال : أي اطلقت من قيدها.