وعليه لا يجوز بيع الدّين بالدّين ؛ لأنّه معاملة بدينين لا بدين ، وهو المعروف بالكالي (١) ، ولا خلاف في بطلانه.
قيل : ما من لذّة ، ولا منفعة ، يوصل إليها بطريق محرّم ، إلّا جعل الله سبحانه للوصول إلى تلك اللّذّة والمنفعة طريقا حلالا ، وسبيلا مشروعا (٢) . ولمّا حرّم الله استفادة الرّبح بطريق الرّبا ، أذن في بيع السّلم والنّسيئة ؛ لوجود جميع المنافع المطلوبة في الرّبا فيهما.
ثمّ بيّن سبحانه طريق الاحتياط في الأجل والكيل والوزن في الدّين بقوله : ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ بجنسه وصفاته ووزنه وأجله ؛ لكون الكتب أوثق وأدفع للنّزاع. ولا شبهة أنّ الأمر هنا ليس للوجوب النّفسي ، بل للإرشاد أو الاستحباب.
عن ( العلل ) : عن الباقر عليهالسلام : « أنّ الله عزوجل عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم ، قال : فمرّ بآدم اسم داود النبيّ ، فإذا عمره في العالم أربعون سنة ، فقال آدم : يا ربّ ما أقلّ عمر داود وأكثر عمري ! يا ربّ إن أنا زدت (٣) داود ثلاثين سنة ثبت ذلك له ؟ قال : نعم يا آدم ، قال : فانّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة ، فأنفذ ذلك وأثبتها له عندك ، واطرحها من عمري » .
قال أبو جعفر عليهالسلام : « فأثبت الله عزوجل لداود في عمره ثلاثين سنة ، وكانت له عند الله (٤) مثبتة. فذلك قوله عزوجل : ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾(٥) فمحا الله ما كان عنده مثبتا لآدم ، وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا.
قال : فمضى عمر آدم فهبط ملك الموت لقبض روحه ، فقال له آدم : يا ملك الموت إنّه قد بقي من عمري ثلاثون سنة ، فقال له ملك الموت : يا آدم ألم تجعلها لابنك داود النبيّ ، وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذرّيّتك ، وعرضت عليك أعمارهم ، وأنت يومئذ بوادي الأحياء (٦) ؟ فقال له آدم : ما أذكر هذا.
قال : فقال له ملك الموت : يا آدم لا تجحد ، أ فلم تسأل الله عزوجل أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك ، فأثبتها لداود في الزّبور ومحاها من عمرك في الذّكر ؟ قال آدم : حتى أعلم ذلك » .
__________________
(١) الكالي : أي المتأخر.
(٢) تفسير الرازي ٧ : ١٠٨.
(٣) في النسخة : ازددت.
(٤) في النسخة : عند ذلك.
(٥) الرعد : ١٣ / ٣٩.
(٦) في المصدر : بوادي الدخياء.