قال أبو جعفر عليهالسلام : « وكان آدم صادقا » قال : « لم يذكر ، ولم يجحد ، فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك وتعالى العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل ، لأجل نسيانه (١) وجحوده [ ما ] على نفسه » انتهى (٢) .
أقول : مع وضوح مصلحة كتابة الدّين على كلّ ذي مسكة (٣) ، من غير حاجة إلى الاطّلاع على وقوع هذه القضيّة من آدم ، ففي تلك الرواية وجوه من الإشكال :
أحدها : دلالتها على نسيان النبيّ مع ثبوت عصمته منه عقلا.
وثانيها : جحود آدم ما أخبر الملك المعصوم بثبوته ، مع أنّه موجب للقطع به.
وثالثها : أنّ آدم كيف بذل سنين من عمره لداود بسبب اطّلاعه على قصر عمره ، ولم يبذل يوما منه ليحيى وعيسى ، مع أنّهما أفضل وأقصر عمرا من داود.
والحاصل : أنّ الرواية من المشكلات التي يجب ردّ علمها إلى الرّاسخين في العلم صلوات الله عليهم.
ثمّ أنّه تعالى بعدما أمر بكتابة الدّين المؤجّل إجمالا ، بيّن كيفيّتها والصّفة المعتبرة فيمن يتولّاها بقوله : ﴿وَلْيَكْتُبْ﴾ كتاب الدّين ﴿بَيْنَكُمْ﴾ أيّها المتعاملون ﴿كاتِبٌ﴾ كان من كان ، ولكن لا بدّ من كون كتابه ملتبسا ﴿بِالْعَدْلِ﴾ والتّسوية بين الدّائن والمديون ، من غير ميل إلى أحدهما ، بحيث لا يزيد في مقدار الدّين والأجل ولا ينقص ولا يغيّر.
وقيل : إنّ من عدل الكاتب أن لا يجمل ولا يهمل في عبارة الكتاب ، وأن يكتبه على نحو تكون صحّته متّفقا عليها بين العلماء ، حتى لا يتردّد فيها عالم.
وقيل : في ذكر ( بينكم ) إشعار بأنّ للكاتب أن يكتب السّند ، مع حضور المتداينين ، ولا يكتفي بتقرير أحدهما.
فإذا دعا المتعاملان كاتبا ينبغي له إجابتهما ﴿وَلا يَأْبَ كاتِبٌ﴾ من الكتّاب ، ولا يمتنع من ﴿أَنْ يَكْتُبَ﴾ كتاب الدّين ﴿كَما عَلَّمَهُ اللهُ﴾ ومثل ما عرف بفضله تعالى من كتبة الحجج والوثائق ، من إيضاح مداليله وشرائطه ، بلا إغلاق ولا خلل.
__________________
(١) في المصدر : إلى أجل مسمى لنسيان آدم.
(٢) علل الشرائع : ٥٥٣ / ١.
(٣) المسكة : الرأي والعقل.