وقيل : إنّ المراد من أن لا يأب الكاتب ، من أن ينتفع النّاس بكتابته ، كما نفعه الله بعلمها وعلّمه إيّاها ، فيكون نظير : أحسن كما أحسن الله إليك.
ثمّ أكّد سبحانه الأمر بالكتابة بالعدل ؛ بقوله : ﴿فَلْيَكْتُبْ﴾ الكاتب كتاب الدّين مطابقا لإملاء المديون ، المستفاد من قوله : ﴿وَلْيُمْلِلِ﴾ المطالب ، وليقرّرها على الكاتب المعامل ﴿الَّذِي﴾ ثبت ﴿عَلَيْهِ الْحَقُ﴾ واستقرّ على ذمّته الدّين ؛ لأنّه المقرّ والمشهود عليه ﴿وَلْيَتَّقِ﴾ المديون المملي في إملائه ﴿اللهَ رَبَّهُ﴾
وفي الجمع بين اسم الجلالة والنّعت الجميل مبالغة في التّحذير من الإملاء بنحو يكون فيه ضياع حقّ الدّائن ، لما في المملي من الدّاعي النّفساني إلى تغيير الدّين ، ودفع الضّرر عن نفسه ، وتخفيف ما في ذمّته.
ولذا أكّد الأمر بالاتّقاء بالنّهي عن البخس بقوله : ﴿وَلا يَبْخَسْ﴾ من الدّين ولا ينقص ﴿مِنْهُ شَيْئاً﴾ وإن كان مثقال ذرّة من خردل ﴿فَإِنْ كانَ﴾ العامل ﴿الَّذِي﴾ استقرّ ﴿عَلَيْهِ الْحَقُ﴾ والدّين ﴿سَفِيهاً﴾ ناقص العقل غير مميّز بين المعاملة النّافعة والمضرّة.
عن الصادق عليهالسلام : « السّفيه : الذي يشتري الدّرهم بأضعافه » (١) .
وقيل : إنّ المراد المبذّر الذي يصرف المال في الأغراض غير العقلائية (٢) .
﴿أَوْ﴾ كان ﴿ضَعِيفاً﴾ لصباوة أو شيخوخة أو هرم بحيث صار مختلّ الحواس.
عن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) : « يعني ضعيفا في بدنه ، لا يقدر أن يملّ ، أو ضعيفا في فهمه وعلمه ، لا يقدر أن يملّ ويميّز الألفاظ التي هي عدل عليه وله ، من الألفاظ التي هي جور عليه وعلى حميمه » (٣) .
﴿أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ﴾ مقصوده على الكاتب ، لخرس أو جهل.
عن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) : « هو بمعنى أن يكون مشغولا في مرمّة (٤) المعاش (٥) ، أو تزوّد المعاد (٦) ، أو لذّة في غير محرم. فإنّ تلك الأشغال التي لا ينبغي لعاقل أن يشرع في غيرها » (٧) .
أقول : الظاهر أنّ المراد مطلق من يتعذّر أو يتعسّر عليه الحضور عند الكاتب ، أو البيان والإملاء
__________________
(١) التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٤.
(٢) في النسخة : العقلانية.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٣٤ / ٣٦٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٤.
(٤) مرمّة المعاش : إصلاحه والسعي فيه.
(٥) في المصدر : لمعاش.
(٦) في المصدر : لمعاد.
(٧) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٣٤ / ٣٦٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٤.