وحاصل الآية أنّ اعتبار التّعدّد لأجل أن تذكّر إحداهما الاخرى ، إن ضلّت الاولى ونسيت الشّهادة.
في أنّ المراد من نهي الشهداء عن الإباء ، الإباء عن التحمل ، وإمكان إرادة الأعم
ثمّ أنّه تعالى - كما نهى الكاتب عن الامتناع من الكتابة - نهى الشاهد عن الإباء عن الحضور لتحمّل الشّهادة أو لأدائها ، بقوله : ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ﴾ عن التّحمّل أو أداء الشّهادة ﴿إِذا ما دُعُوا﴾ إلى التّحمّل أو الأداء.
في الصّحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ﴾ قال : « قيل الشّهادة » (١) .
وعنه عليهالسلام ، في تفسير الآية ، قال : « لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها ، أن يقول : لا أشهد لكم عليها » (٢) .
وقريب منها أو مثلها عدّة روايات اخر ، الظّاهرة في كون المراد حرمة الإباء عن التّحمّل (٣) . ولا معارض لها ، إلّا ما عن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « تفسير هذه الآية : من كان في عنقه شهادة ، فلا يأب إذا ما دعي لإقامتها » (٤) .
ومن الواضح أنّ هذه الرّواية مع ضعف السّند ، لا تكافئ الرّوايات الكثيرة المعتبرة ، مع إمكان الجمع بالقول بأنّ متعلّق ﴿إِذا ما دُعُوا﴾ أعمّ من التّحمّل والأداء ، ولا يرد عليه ما قاله الفاضل المقداد رحمهالله من استلزامه استعمال المشترك في أكثر من معنى (٥) ، لوضوح أنّه على تقدير جعل المقدار الأعمّ من التّحمّل والأداء ، لم يستعمل لفظ الدّعوة في غير معناه الظّاهر ، وتكون الكثرة في المحذوف ، وهو المدعو إليه.
ويمكن أن يكون نظره رحمهالله إلى أنّه على تقدير إرادة الأعمّ ، لزم استعمال لفظ الشّهداء في المعنى الحقيقي والمجازي ، حيث إنّ استعماله في من لم يتحمّل بعد ، مجاز بعلاقة المشارفة ، فتأمّل.
ثمّ إنّ النّهي عن الإباء دالّ بالالتزام على الأمر بالإجابة ، فتكون الإجابة واجبة ، ولا بدّ من القول بكون وجوبها كفائيا لمعلوميّة الغرض ، كما أنّ وجوب الكتابة على الكاتب كذلك ، ولا منافاة بين كون أمر المديون بالاستكتاب والاستشهاد إرشاديّا أو ندبيّا ، وبين كون الأمر بالكتابة وتحمّل الشّهادة على
__________________
(١) الكافي ٧ : ٣٨٠ / ٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٥.
(٢) الكافي ٧ : ٣٧٩ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٥.
(٣) الكافي ٧ : ٣٨٠ / ٣ - ٦.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٧٦ / ٣٧٨ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٥.
(٥) كنز العرفان ٢ : ٥٤.