حاضِرَةً﴾ ومعاملة نقديّة ﴿تُدِيرُونَها﴾ وتتعاطونها ﴿بَيْنَكُمْ﴾ يدا بيد ، فإن كانت المعاملة هكذا ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ﴾ وضرر أن لا ﴿تَكْتُبُوها﴾ لبعدها عن النّسيان والتّنازع ﴿وَ﴾ لكن ﴿أَشْهِدُوا﴾ شهيدين ﴿إِذا تَبايَعْتُمْ﴾ مطلقا ، سواء كان البيع نقديّا أو سلما أو نسيئة ، لكونه أحفظ ﴿وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ﴾ يحتمل كون الفعل مبنيّا على الفاعل ، وعلى المفعول ؛ فعلى الأوّل يكون نهيا للكاتب والشّاهد عن الإضرار بالمتداينين ، بترك الإجابة ، أو التّغيير ، أو التّحريف في الكتب والشّهادة. وعلى الثاني يكون نهيا للمتداينين عن الإضرار بهما (١) ، بأن يعجلاهما عن مهمّاتهما ، أو يلزماهما على الخروج عن الحدود الشّرعيّة في الكتابة والشّهادة ، أو لا يعطيا الكاتب جعله ، والشّاهد مؤنة مجيئه.
والثاني هو الأظهر ، لقوله تعالى بعده ، مخاطبا للمتداينين : ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا﴾ ما نهيتكم عنه من الإضرار ﴿فَإِنَّهُ فُسُوقٌ﴾ وخروج عن حدود الشّرع والعقل ، ملتبس ﴿بِكُمْ﴾
ثمّ أكّد الوعيد بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ في مخالفة أحكامه التي من جملتها حرمة الإضرار ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾ ما فيه صلاح دينكم ودنياكم ﴿وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من مصالح الامور ومفاسدها ، وحسن الأشياء وقبحها ﴿عَلِيمٌ﴾ لا تخفى عليه خافية.
وتكرير لفظ الجلالة في الجمل الثّلاث ، لتربيه المهابة وقيل : للتّنبيه على استقلال كلّ منها بمعنى على حياله ، حيث إنّ الاولى حثّ على التّقوى ، والثّانية وعد بالإنعام ، والثّالثة تعظيم لشأنه تعالى.
أقول : في الجملة الثّانية إشعار بحكمة الأمر بالتّقوى ، وإنّه لصلاح راجع إلى العباد لا إليه سبحانه ، وفي الثّالثة دلالة على عدم إمكان الخطأ والاشتباه منه تعالى في ما علمه من الصّلاح والفساد.
ثمّ اعلم أنّ الآية المباركة أطول آية في الكتاب العزيز ، وفيها دلالة على كمال لطفه على عباده ، ونهاية رفقه بهم ، وأنّه تعالى إذا كان حافظا لمصالح دنياهم بهذه المرتبة من الاهتمام ، يكون لمصالح آخرتهم أحفظ بمراتب ، وأنّه لا يرضى بوقوع الظّلم والتّنازع بينهم ، وأنّه يحبّ القيام بحوائجهم ، وإعانتهم على إحقاق حقوقهم.
عن القمّي رحمهالله : في [ سورة ] البقرة خمسمائة حكم ، وفي [ هذه ] الآية خمسة عشر حكما (٢) .
في شرعية أخذ الرهن للدين وعدم اختصاصها بالسفر
ثمّ بيّن سبحانه طريقا آخر لحفظ الدّيون ، أوثق من الكتابة ، وهو أخذ الرّهن والوثيقة عليها ، بقوله : ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ﴾ راكبين ﴿عَلى سَفَرٍ﴾ ومتلبّسين به ، أو مشرفين عليه
__________________
(١) أي بالكاتب والشاهد.
(٢) تفسير القمي ١ : ٩٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٦.