ومتوجّهين إليه ، واحتجتم إلى التّداين ﴿وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً﴾ يكتب الدّين بحيث تستوثقون بكتابته ﴿فَرِهانٌ﴾ ووثائق من الأعيان ﴿مَقْبُوضَةٌ﴾ ومسلّمة إليكم ، قائمة مقام الكتابة ، بل أحفظ منها للدّين.
وإنّما شرط السّفر في جواز الرّهن - مع عدم كونه مشروطا به ، بل يجوز في الحضر إجماعا - لكون السّفر مظنّة شدّة الحاجة إليه ، وانحصار طريق الاستيثاق به ، لغلبة إعواز الكاتب فيه. فالكلام خرج على الأعمّ الأغلب ، وليس في الواقع على سبيل الاشتراط.
روي أنّه رهن رسول الله صلىاللهعليهوآله درعه في المدينة من يهودي بعشرين صاعا من شعير ، وأخذه لأهله (١) .
في بيان اشتراط صحّة الرهن بالقبض
ثمّ أنّ ظاهر الآية اشتراط صحّه الرّهن بالقبض ، ويعضده ما روي عن الصادق عليهالسلام : « لا رهن إلّا مقبوضا » (٢) ، وادّعي شهرته بين الأصحاب. والإشكال في دلالة الآية ، وسند الرّواية - بل ودلالتها - ضعيف في الغاية.
ثمّ بيّن سبحانه القسم الثّالث من الدّين ، وهو ما لم يؤخذ عليه كتاب ولا رهن ، بقوله : ﴿فَإِنْ أَمِنَ﴾ الدّائن الذي هو ﴿بَعْضُكُمْ﴾ ومن جملتكم ﴿بَعْضاً﴾ آخر ، وهو المديون ، واطمأنّ قلبه به ، بحيث لا يخاف منه الجحود والإنكار ، حتّى يحتاج إلى الاستيثاق بالكتاب والرّهن ﴿فَلْيُؤَدِّ﴾ المديون ﴿الَّذِي اؤْتُمِنَ﴾ على الدّين إلى الدائن ﴿أَمانَتَهُ﴾ وحقّه. وإطلاق الأمانة عليه ، لمعاملة الدّائن مع المديون ودينه معاملة الأمين والأمانة ، من عدم أخذ الكتاب والرّهن والشّهود عليه ﴿وَلْيَتَّقِ﴾ المديون أن يعصي ﴿اللهَ رَبَّهُ﴾ ومليكه اللّطيف بإنكار هذا الدّين الذي هو بمنزلة الأمانة ، والمماطلة في أدائه.
ثمّ لمّا كانت الشّهادة على الدّين بمنزلة أمانة الدائن عند الشّاهد ، أمر سبحانه بأدائها ونهى عن كتمانها بقوله : ﴿وَلا تَكْتُمُوا﴾ أيّها الشّهود ﴿الشَّهادَةَ﴾ على حقوق النّاس إذا دعيتم لأدائها ﴿وَمَنْ يَكْتُمْها﴾ وأمتنع من أدائها عند الحاجة إليها ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ قيل : إنّ إسناد الإثم إلى القلب ، لا ستلزامه إثم جميع الجوارح ، لكون القلب رئيسها ، فمن كان قلبه آثما كانت جميع جوارحه آثمة.
عن الباقر عليهالسلام ، قال : « كافر قلبه » (٣) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٧٢.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٨٣ / ٦٣٠ ، التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٩ عن الباقر عليهالسلام ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٦.
(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٥ / ١١٥ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٦.