أَيْدِيهِمْ﴾(١) ، وقوله : ﴿وَجاءَ رَبُّكَ﴾(٢) وقوله : ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى﴾(٣) لحكم العقل بتنزّه خالق الأجسام والأمكنة عن الجسم والصّورة والمكان والحركة.
في معنى المحكم والمتشابه
عن الصّادق عليهالسلام أنّه سئل عن المحكم والمتشابه ، فقال : « المحكم : ما يعمل به ، والمتشابه : ما اشتبه على جاهله » (٤) .
والظّاهر أنّ المراد من قوله : ( ما يعمل به ) ما لا يتوقّف العرف في مدلوله ومفاده.
وعن ( الكافي ) : عنه عليهالسلام ، في تأويله : « أنّ المحكمات أمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام ، والمتشابهات فلان وفلان » (٥) .
ثمّ اعلم أنّ تقسيم الكتاب بجعل بعضه محكما وبعضه متشابها ، لا ينافي تسمية كلّه محكما في قوله : ﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾(٦) ، وأنّ معناه : أنّه اتقنت مطالبه ، بحيث لا يتوهّم التّناقض فيها ، وحفظت من أن يعتريها الخلل والتّحريف والنّسخ ، ولا توصيف كلّه بالمتشابه في قوله : ﴿كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ﴾(٧) لأنّ معنى المتشابه هنا : المتماثل الآيات في صحّة المعاني ، وجزالة النّظم ، وحقّيّة المدلول.
وقد سبق في الطّرفة السّابعة عشرة بيان فوائد كثيرة وحكم وفيرة في جعل كثير من الآيات القرآنية متشابها ، وعدم جعل جميعها محكمات ، من أراد الاطّلاع عليها فليراجعها ، وعمدة حكمها ابتلاء الخلق ، والتمييز بين الثّابت على الحقّ وأهل الزّيغ.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ﴾ كان ﴿فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ وميل عن الحقّ إلى اتّباع الهوى ، وانحراف عن الصّراط المستقيم إلى شعب الضّلال ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾ من ذلك الكتاب ﴿ما تَشابَهَ مِنْهُ﴾ ويتمسّكون - لإثبات عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الباطلة - بظاهر آيات مخالف للمحكمات ، أو بمجملات غير ظاهرة الدّلالة ، ويؤوّلونها بالظّنون والاستحسانات ، لا تحرّيا للحقّ وطلبا للصّواب ، بل ﴿ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ﴾ وقصد إلقاء الشّبهات في قلوب ضعفاء العقول والإيمان ، وسعيا في إضلال النّاس عن طريق الحقّ والهدى ﴿وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ وطلبا لتطبيقه على باطلهم ، وإرجاعه إلى ما هو مشتهى أنفسهم من
__________________
(١) الفتح : ٤٨ / ١٠.
(٢) الفجر : ٨٩ / ٢٢.
(٣) طه : ٢٠ / ٥.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٩٢ / ٦٤٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٥.
(٥) الكافي ١ : ٣٤٣ / ١٤ ، تفسير العياشي ١ : ٢٩٢ / ٦٤٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٥.
(٦) هود : ١١ / ١.
(٧) الزمر : ٣٩ / ٢٣.