وسموّ المقام. وفي قراءة ( وضعت ) على المتكلّم ، على أنّه من كلامها ، تسلية لنفسها ، وهو مرويّ عن أمير المؤمنين عليهالسلام (١) .
ثمّ أنّه تعالى زاد في تبيين عظمة موضعها ورفعه منزلتها ومقامها بقوله : ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ﴾ الذي كانت تطلبه ، وتتمنّى أنّه يكون كواحد من سدنة المسجد ﴿كَالْأُنْثى﴾ التي وهبتها لها ، في الفضيلة والشّرف والكرامة عندي.
عن ( الكافي ) و( القمي ) : عن الصادق عليهالسلام قال : « إنّ الله أوحى إلى عمران أنّي واهب لك ذكرا سويّا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذني ، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل ، فحدّث عمران امرأته حنّة بذلك - وهي امّ مريم - فلمّا حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما ، فلمّا وضعتها قالت : [ ربّ ] إنّي وضعتها انثى وليس الذّكر كالانثى ، [ أي ] لا تكون البنت رسولا ، يقول الله تعالى : ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ﴾ فلمّا وهب لمريم عيسى ، كان هو الذي بشّر به عمران ووعده إيّاه » (٢) .
وعنه عليهالسلام : « أنّ المحرّر يكون في الكنيسة لا يخرج منها ، فلمّا وضعتها [ انثى ] قالت : ربّ إنّي وضعتها انثى (٣) وليس الذّكر كالانثى ، إنّ الانثى تحيض ، فتخرج من المسجد » (٤) .
وفي رواية اخرى عنه عليهالسلام : « وليس الذّكر كالانثى في الخدمة » (٥) .
ومقتضى هذه الرّوايات أنّ الجملة المعترضة في الآية قوله : ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ﴾ فقط ، وأنّ قوله : ﴿لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى﴾ من كلام حنّة ، وهو المعطوف عليه لقوله : ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ﴾
قيل : إنّ مريم بالعبرانيّة بمعنى : العابدة أو خادمة الرّبّ ، وإنّ إظهار تسليتها بهذا الاسم لإظهار بقائها على نيّة وقفها لعبادة ربّها ؛ غير راجعة عنها ، فكأنّها قالت : إنّ هذه الانثى ، وإن لم تكن خليقة لوقفها لخدمة المسجد وسدانة بيت المقدس ، فلتكن من العابدات فيه.
وفي تصدّيها للتّسمية إشعار بموت عمران قبل ولادة مريم ؛ لأنّ مقتضى العادة أنّ الأب يتولّى تسمية الولد إذا كان حيّا (٦) .
ثمّ لمّا كانت حنّة عالمة بأنّ الشّيطان يطمع في إغواء كلّ مولود خصوصا النّساء ، قالت : ﴿وَإِنِّي
__________________
(١) جوامع الجامع : ٥٧.
(٢) تفسير القمي ١ : ١٠١ ، الكافي ١ : ٤٤٩ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٧.
(٣) زاد في العياشي : والله أعلم بما وضعت.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٣٠٢ / ٦٧٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٧.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٣٠٢ / ٦٧٨ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٧.
(٦) تفسير روح البيان ٢ : ٢٧.