أُعِيذُها بِكَ﴾ واجيرها بلطفك والجئها بحفظك ، ﴿وَ﴾ كذا ﴿ذُرِّيَّتَها﴾ ونسلها ﴿مِنَ﴾ كيد ﴿الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ المطرود من كل خير.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخا (١) ، إلامريم وابنها » (٢) .
قيل : لما قالت حنة هذه الكلمات ، وتضرعت إلى الله في قبول مريم لعبادته ، وحفظها من إغواء الشيطان ، لفتها في خرقة ، وحملتها إلى المسجد ، ووضعتها عند الأحبار ، أبناء هارون ، وهم في بيت المقدس كالحجبة في مسجد الحرام ، وقالت : خذوا هذه النذيرة ، فتنافسوا فيها ؛ لأنها كانت بنت إمامهم ، وكان بنو ماثان رؤس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم ، فقال لهم زكريا : أنا أحق بها ، عندي خالتها ، فقالوا : لا حتى نقرع عليها ، فانطلقوا - وكانوا سبعا وعشرين - إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم ثلاث مرات في النهر. وقيل : نهر الأردن. ففي كل مرة ارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم ، فسلموها إلى زكريا.
قيل : هو معنى قوله : ﴿فَتَقَبَّلَها رَبُّها﴾ ومليكها ، ومكمّل نفسها بكمالات لائقة بها ﴿بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ فكأنّه أخذها ربّها من امّها وسلّمها لزكريّا. (٣)
قيل : إنّ الحكم في تلك الشّريعة أنّه لم يكن التّحرير جائزا ، إلّا في غلام عاقل قادر على خدمة المسجد ، ومن حسن القبول أنّ الله بعد تضرّع حنّة ، قبل تحرير بنتها حال صغرها ، وعدم قدرتها على خدمة المسجد (٤) وفي لفظ التّقبّل إشعار بشدّة الاعتناء بقبولها.
﴿وَأَنْبَتَها﴾ ربّها ﴿نَباتاً حَسَناً﴾ وربّاها تربية صالحة كاملة ، وهيّأ لها جميع ما يصلحها.
قيل : إنّها تكلّمت في صباها كما تكلّم المسيح ، ولم تلتقم ثديا قطّ ، وكانت تنمو في اليوم مثل ما ينمو المولود في عام ﴿وَكَفَّلَها﴾ الله ﴿زَكَرِيَّا﴾ وجعله ضامنا لمصالحها ، وقائما بتدبير امورها.
وفي عدّة روايات من طرق أصحابنا أنّه عليهالسلام كان زوج اختها ، لا زوج خالتها.
وروي أنّها لمّا صارت شابّة ، بنى زكريّا لها غرفة ، وفي رواية : محرابا في المسجد ، والظّاهر أنّ المحراب والغرفة واحد ، ولا يصعد إليها إلّا بسلّم ، ولا يدخل عليها غيره ، وإذا خرج أغلق عليها سبعة
__________________
(١) زاد في تفسير الرازي : من مسّ الشّيطان.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٢٨.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٢٨.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ٢٨.