حفظ جمع كثير كان عددهم فوق حدّ التواتر ، مع أنّه كان حفظ القرآن وتلاوته من أعظم عبادات المسلمين ، فالعادة تقتضي أن يكون جمع كثير منهم حافظين لجميع القرآن.
ومن الواضح أنّه كان اهتمامهم بحفظ القرآن من التغيير ، وصيانتهم له من التحريف ؛ كاهتمامهم بحفظ الإسلام وحفظ النبيّ صلىاللهعليهوآله من أن تصيبه آفة وجراحة ، حيث إنّهم كانوا يفدون أنفسهم وأولادهم وأعراضهم وأموالهم دون نفسه الشريفة.
ومن الغرائب ، قوله رحمهالله : بل لقائل أن يقول : إنّه إنّما لا يتغير (١) في نفسه ، وإنّما التغيير في كتابتهم إيّاه ، وتلفّظهم به ، فإنّهم ما حرّفوا إلّا عند نسخهم من الأصل ، وبقي الأصل على ما هو عليه عند أهله ؛ وهم العلماء به ، فما هو عند العلماء به ليس بمحرّف ، وإنّما المحرّف ما أظهروه لأتباعهم (٢) . انتهى.
فإنّ هذا الاحتمال مبنيّ على فرض كون القرآن الموجود في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله وبعده ، نسخة واحدة أو نسختين عند واحد من الصحابة أو اثنين ، ثمّ اسستنسخه جماعة من المنافقين مع عدم اطّلاع أكثر المسلمين به وبآياته ، ثمّ خفي الأصل عن الأنظار ، وانتشر المحرّف في الأقطار ، وهذا الاحتمال ممّا لا ينبغي انقداحه في ذهن أحد ، حيث إنّ القرآن كان بآياته وسوره أظهر من الشمس عند المسلمين ، ولم يكن بينهم علم غير علم القرآن ، فكيف يمكن عدم اطّلاع أغلبهم بآياته وسوره ومحلّ آياته وكيفيّة قراءته !
وقال شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسى رضوان الله عليه : وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الرّوايات ، غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما [ ولا عملا ] فالأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها ، لأنّه يمكن تأويلها (٣) .
وقال شيخنا الصدوق رحمهالله في ( اعتقاداته ) : اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدّفّتين و[ هو ] ما في أيدي النّاس ، ليس بأكثر من ذلك ، ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو
__________________
(١) في تفسير الصافي : إنه ما تغير.
(٢) تفسير الصافي ١ : ٤٨.
(٣) تفسير التبيان ١ : ٣.