أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)﴾
ثمّ أنّه - بعد البشارة بولادته ، وعلوّ مقامه ، وبهور معجزاته ، وحسن دعوته - بيّن أنّ النّاس مع جميع ذلك ، عارضوه بالكفر والجحود ، بقوله : ﴿فَلَمَّا أَحَسَ﴾ وشاهد ﴿عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ بأن سمع منهم صريح الإنكار ، أو تيقّن به بحيث صار كالمحسوس له ، وعرف عزمهم على قتله.
في بدو ظهور أمر عيسى عليهالسلام
قيل : إنّ اليهود كانوا عارفين بأنّه هو المسيح المبشّر به في التّوراة ، وأنّه ينسخ دينهم ، فأخذوا في الطّعن عليه ، وصمّموا على قتله ، فلمّا أظهر الدّعوة اشتدّ غضبهم ، وأصرّوا في إيذائه وإيحاشه ، وطلب قتله (١) .
وقيل : إنّه تعالى لمّا بعثه رسولا إلى بني إسرائيل ، جاءهم ودعاهم إلى دين الله ، فتمرّدوا وعصوا ، فخافهم واختفى عنهم ، وكان أمر عيسى عليهالسلام في قومه كأمر محمّد صلىاللهعليهوآله وهو بمكّة ، فكان مستضعفا ، وكان يختفي من بني إسرائيل ، كما اختفى النبيّ صلىاللهعليهوآله في الغار وفي منازل من آمن به لمّا أرادوا قتله.
ثمّ أنّه عليهالسلام خرج مع امّه يسيحان في الأرض ، فاتّفق أنّه نزل [ في ] قرية على رجل فأحسن الرجل ضيافته ، وكان في المدينة ملك جبّار ، فجاء ذلك الرّجل يوما حزينا ، فسأله عيسى عليهالسلام عن السّبب ، فقال : ملك هذه المدينة رجل جبّار ، ومن عادته أنّه جعل على كلّ رجل منّا يوما يطعمه ويسقيه هو وجنوده ، وهذا اليوم نوبتي ، والأمر متعذّر عليّ.
فلمّا سمعت مريم ذلك قالت : يا بني ادع الله ليكفي ذلك ، فقال : يا امّاه ، إن فعلت ذلك كان فيه الشّرّ ، فقالت : قد أحسن وأكرم ، ولا بدّ من إكرامه. فقال عيسى عليهالسلام : إذا قرب مجيء الملك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثمّ أعلمني ، فلمّا فعل ذلك دعا الله تعالى ، فتحوّل ما في القدور طبيخا ، وما في الخوابي خمرا ، فلمّا جا الملك أكل وشرب ، وسأله : من أين هذا الخمر ؟ فتعلّل الرّجل في الجواب ، فلم يزل الملك يطالبه بذلك حتّى أخبره بالواقعة.
فقال : إنّ من دعا الله حتّى جعل الماء خمرا ، إذا دعا أن يحيي الله ولدي لا بدّ وأن يجاب. وكان ابنه قد مات قبل ذلك بأيّام ، فدعا عيسى عليهالسلام وطلب منه ذلك ، فقال عيسى عليهالسلام : لا تفعل ، فإنّه إن عاش
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ٦١.