.................................................................................................
______________________________________________________
.................................................................................................
__________________
ويشكل الأوّل أوّلا : بالفرق الموضوعي بين مسألة الدوران بين المحذورين وبين مورد الموثقة بوجهين ، فلا يصح حمل قوله عليهالسلام : «فهو في سعة» على ما يستقل به العقل من التخيير.
أحدهما : أن حكم العقل بالتخيير في العمل في مسألة الدوران يتوقف على العلم بجنس الإلزام والشك في الخصوصيّتين كما مثّلوا له بالحلف على فعل في وقت خاص أو على تركه.
وأمّا إذا دار حكم واقعة بين الوجوب والحرمة والإباحة فهو خارج عن مورد الدوران بين المحذورين ، وتجري فيه البراءة الشرعية كما تقرر في مجاري الأصول. ومفروض سؤال سماعة هو وصول خبرين متعارضين أحدهما يأمر والآخر ينهى ، ومن المعلوم عدم استلزامه للعلم بالإلزام ، لاحتمال كذبهما معا ، وأن يكون حكم الواقعة الإباحة. ولا قرينة في السؤال على حصول العلم بالإلزام الجامع بين الوجوب والحرمة من إخبار المخبرين حتى يندرج في مورد الدوران.
ودعوى «إفادة الحجتين التعبديتين للعلم بالإلزام ، فلا يحتمل معهما الإباحة» ممنوعة بعدم اقتضاء حجية خبر الثقة حصول العلم بمؤداه ، خصوصا مع تعارض الخبرين وتكاذبهما وعدم حجية شيء منهما ، بعد كون الأصل الأولي في تعارض الطرق هو التساقط وعدم نهوض دليل على حجية أحدهما تخييرا بعد.
ثانيهما : أن حكم العقل بالتخيير في مسألة الدوران بين المحذورين منوط بعدم دليل يعين الوظيفة من عموم فوقاني يثبت أحد الحكمين ، أو أصل عملي منجز له كالاستصحاب المثبت للتكليف ، إذ معه لا تصل النوبة إلى التخيير ، وحيث لم يحرز وجود هذا الدليل أو الأصل وعدمه في مورد سؤال سماعة ، فلا سبيل لحملها على مورد الدوران ، فإنّ حمل إطلاق جواب الإمام «عليهالسلام» : «فهو في سعة» ـ الشامل لمورد وجود الأصل الحاكم وعدمه ـ على صورة عدمه حتى يكون موردا للدوران بين المحذورين بلا وجه.
والحاصل : أن مجرد ورود خبرين متضمنين لطرفي الإلزام لا يقتضي درج المورد في الدوران بين المحذورين حتى تكون السعة إرشادا إلى ما يستقل به العقل ، لما عرفت من اعتبار أمرين في مسألة الدوران ، ولا سبيل لإحرازهما في الموثقة.
نعم لا بأس باستفادة الدوران بين المحذورين من مرسل سماعة بن مهران عن أبي عبد الله «عليهالسلام» : «قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا والآخر ينهانا عنه ، قال : لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله ، قلت : لا بد أن نعمل بواحد منهما ، قال : خذ بما فيه خلاف العامة» (١).
وثانيا : أنّ إرادة الحجية التخييرية في موارد الدوران بين المحذورين من قوله عليهالسلام : «فهو
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٤٢ ، ص ٨٨