تعارض الخبرين باق على حاله ، وبمعنى آخر (١) لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى (*).
______________________________________________________
الخبرين ، فلا مانع من الحكم باستمرار التخيير تمسُّكا بالإطلاق أو الاستصحاب ، توضيحه : أنّ موضوع التخيير ـ وهو التحيُّر بمعنى تعارض الخبرين ـ باق على حاله حتى بعد الأخذ بأحد الخبرين ، لأنّ الأخذ بأحدهما لا يرفع التعارض والتنافي القائم بهما ، فلم يختلف موضوع التخيير قبل الأخذ بأحدهما وبعده حتى يتوجه المنع عن التمسك بإطلاقات التخيير أو استصحابه.
(١) يعني : وإن أريد بالتحيُّر معنى آخر كالتحير في الحكم الواقعي ، ففيه أوّلا : أنّه لم يُؤخذ موضوعا للتخيير في شيء من الأدلة. وثانيا : أنّه ـ بعد تسليمه ـ باق أيضا بعد الأخذ بأحد الخبرين ، ضرورة أنه لا يكون كاشفا قطعيا عن الحكم الواقعي حتى يرتفع به التحيُّر ، ويمتنع التشبث بالإطلاق أو الاستصحاب.
__________________
(*) أقول : الظاهر كون التخيير في المسألة الأصولية بدويا كما أفاده الشيخ ، لا استمراريا كما اختاره المصنف ، وذلك لأنّ تعلق الأمر بطبيعة ظاهر في مطلوبية صرف وجودها ، إذ المطلوب في الأمر بحسب الظاهر هو طرد العدم ونقضه بالوجود ، ومن المعلوم تحقق هذا المطلوب بصرف الوجود من الطبيعة ، ولذا يحصل به الامتثال ، ومطلوبية سائر وجودات الطبيعة محتاجة ثبوتا وإثباتا إلى مئونة زائدة ، حيث إن الأمر بالطبيعة سقط بالامتثال ، لانطباق الطبيعة المأمور بها على أوّل وجوداتها قهرا الموجب للامتثال عقلا.
وعليه فالأمر بالأخذ بأحد الخبرين تخييرا يسقط بمجرد الأخذ بأحدهما ، والتخيير الثاني والثالث وهكذا يحتاج إلى أوامر أخر غير الأمر الأوّل ، إذ المفروض سقوطه بالأخذ الأوّل. ولعل كلام الشيخ «قده» في وجه عدم استمرار التخيير يرجع إلى ما ذكرنا ، وإلّا فلا بد من التأمل والنّظر فيه.
والحاصل : أن بقاء موضوع التخيير ـ وهو من تعارض عنده الخبران ـ حتى بعد الأخذ بأحدهما لا يوجب استمرار التخيير ، بعد اقتضاء الأمر مطلوبية صرف الوجود من الطبيعة المأمور بها ، وهو صالح للمنع عن تحقق الإطلاق الموقوف على عدم ما يصلح للقرينية. وقد تقدم في مسألة الدوران بين المحذورين بعض الكلام حول بدوية التخيير واستمراريته ، فراجع (ج ٥ ، ص ٥٨٣).