.................................................................................................
______________________________________________________
وبعبارة أخرى : العام ظاهر ـ بمقتضى وضعه أو قرينة المراد ـ في استيعاب جميع أفراده ، وحيث إنّ المخصّص القطعي أو الظني منفصل عنه حسب الفرض ، فلا ينثلم أصل ظهوره في الاستغراق ، لعدم انقلاب الشيء عمّا وقع عليه ، وإنما يكون الخاصّ مزاحما لحجية العام في مقدار دلالته ، فيرجع إلى العام في غير ما أخرجه الخاصّ ، ولا تنقلب النسبة بين العام بعد التخصيص وبين الخاصّ الآخر ، لبقاء ظهور العام على حاله وإن لم يكن حجة في مدلول الخاصّ الأوّل.
ولو فرض انهدام أصل ظهور العام بعد التخصيص بالمخصص المنفصل ـ كتخصيص «أكرم الأمراء» بـ «لا تكرم فساق الأمراء» وصيرورة العام مجازا ـ امتنع التمسك به في
__________________
وهذه التعليقة وإن كانت في محلها ، لكن أصل تفرقة الشيخ بين الإجماع والعقل وبين الأدلة اللفظية لا أثر منه في كلام الفاضل ، ولعل الشيخ استفادها من قوله في المناهج : «فقد يكون الخبران متعارضين بالتساوي مثلا ، وبملاحظة تخصيص أحدهما بمخصص آخر من إجماع أو غيره يرجع التعارض إلى العموم والخصوص المطلقين أو من وجه أو المتباينين ...» ولكن كلمة «غيره» لا ظهور لها في كل ما يكون قطعيا. ولو سلّم فذيل عبارة العوائد المتقدمة كافية لنفي التفصيل بين الإجماع وغيره ، وهو قوله : «ولا يخفى أيضا أنه لا يتفاوت الحال فيما إذا كان أحد المتعارضين قطعيا كالإجماع والآخر غير قطعي بعد ثبوت حجيته». وعليه فأخذ كلمة «القطعي» هنا غير مناسب.
ثم إنه قد يورد على الشيخ والمصنف «قدهما» بعدم كفاية بقاء الظهور الاستعمالي في العام المخصّص لإنكار انقلاب النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر أو غيره مما يعارضه ، وذلك لأنّ القائل بالانقلاب يعترف أيضا ببقاء هذا الظهور الاستعمالي ، لكنه يدعي سقوطه عن الحجية الفعلية بسبب التخصيص ، ومن المعلوم أن تعارض الدليلين أو الأدلة ليس للتنافي بين ظاهريهما أو ظهوراتها بأنفسها ، بل هي بوصف كونها حجة بسبب شمول دليل الاعتبار للكل.
وعليه فلا بد أن يجاب عن الإشكال بأن مقصود المصنف أيضا ليس هو بقاء ذات الظهور ولو كان ساقطا عن الاعتبار ، بل الظهور الكاشف عن المؤدى ، لكن المناط هو الحجية النوعية ـ التي هي المقصودة في باب التعارض ـ لا الفعلية ، وسيأتي مزيد بيان له في التعليقة الملحقة بآخر الفصل إن شاء الله تعالى.