.................................................................................................
______________________________________________________
ومع ذلك لا بأس ببيان معنى الحكومة ، فلعل الإعادة لا تخلو عن الفائدة ، فنقول : الحكومة هي كون أحد الدليلين ناظرا إلى دليل آخر ومتعرِّضا لبيان كمية موضوع ذلك الدليل الآخر تعميما أو تخصيصا ، فالتعميم يكون بإدخال ما ليس موضوعا في الدليل المحكوم بالتوسعة فيه وجعل فردٍ آخر لموضوع الحكم ، والتخصيص يكون بإخراج بعض أفراد موضوع الدليل المحكوم ورفع الحكم عن ذلك البعض. وسيأتي بيان مثالين للتعميم والتخصيص.
وهذا التعريف هو ما أفاده المصنف هنا وفي الحاشية والفوائد ، وهو موافق لما في كلمات شيخنا الأعظم «قده» ، لكن الماتن خالفه في أمر آخر ، وهو : أن ظاهر كلام الشيخ ـ بل صريحه ـ لزوم تقدّم صدور الدليل المحكوم على الدليل الحاكم. وناقشه المصنف بعدم اعتبار هذا القيد ، فلو سبق بيان الحاكم وتأخّر بيان المحكوم انطبق عليه ضابط الحكومة أيضا. فلنذكر أوّلا مثالين للحكومة وثانيا كلام الشيخ ، وثالثا إشكال المصنف عليه.
أما مثال الحكومة المضيِّقة المخصِّصة لموضوع الحكم في الدليل المحكوم فهو كما إذا دلّ دليل على أن «الشاك بين الثلاث والأربع يبني على الأربع» ودليل آخر على أن «كثير الشك ليس بشاك» فان الدليل الثاني حاكم على الأوّل ، لكونه رافعا لموضوعه ، فان الحكم بالبناء على الأربع حكم للشك على تقدير وجوده بنحو القضية الشرطية ، يعني «كلّما شك المصلِّي بين الثلاث والأربع ـ سواء كان كثير الشك أم قليله ـ وجب عليه البناء على الأربع» ودليل كثير الشك يهدم ذلك التقدير ، لدلالته على «أن كثير الشك ليس بنظر» الشارع من أفراد الشاك» فلا يثبت له حكم «الشاك بين الثلاث والأربع» من البناء على الأربع.
وهذه الحكومة المضيِّقة وإن كانت مشتركة مع التخصيص في كون كلّ من الحاكم والخاصّ ذا دلالة مستقلة على مضمونه ، إلّا أنها تفترق عن التخصيص بأن الحاكم ناظر إلى المحكوم ومتعرض لبيان كمية موضوعه ومتفرع عليه ، بخلاف الخاصّ ، فانه ليس متفرعا على العام.