ولذا (١) لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل
______________________________________________________
الكبرى وهو تحصيل الحجة على الحكم. وبيانه : أن تعريف الاجتهاد بـ «تحصيل الظن بالحكم الشرعي» قد ورد في كتب العامة كالحاجبي والخاصة كالعلامة ، وإن كان مقصود العلامة من الظن غير ما أراده الحاجبي. وأخذ الظن في التعريف صار منشأ للإيراد عليه بعدم حجية الظن ، وورود النهي عن متابعته في الكتاب العزيز ، ولأجله عدل بعض العامة وجمع من الخاصة عن أخذ الظن إلى أخذ العلم في التعريف ، فمن العامة الغزالي وغيره حيث حكي عنه تعريف الاجتهاد بأنه «بذل المجتهد وسعه في تحصيل العلم بالحكم الشرعي» ومن الخاصة ما تقدم في المتن من تعريف شيخنا البهائي ، إذ لم يؤخذ فيه قيد العلم ولا الظن.
وكذلك أورد بعض أصحابنا المحدثين على الأصوليّين بعدم العبرة بالاجتهادات الظنية ، للنهي عن متابعة الظن. وعليه فلو عرّف الاجتهاد بأنّه «تحصيل الحجة على الحكم الشرعي» كان به التخلّص عن إشكال أخذ الظن في التعريف ، لأنّ تحصيل الحجة على الحكم مما لا بدّ منه بحكم العقل عند الكل ، وإنّما يقع الكلام في مصداق ما هو الحجة ، ومن المعلوم أنّ ما اختلف في مصداقيّته للحجة لا يليق أخذه في التعريف حتى يكون منشأ للنزاع والنقض ، فأكثر العامة وإن عملوا بالظنون الحاصلة من القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسيرة الصحابة ونحوها ، إلّا أنّها بنظرهم حجج على الأحكام ، فلا وقع للإيراد على أصل التعريف بأنّ «الاجتهاد هو استفراغ الوسع في تحصيل الحجة» لأنّ هذا المعنى مسلّم عند الكل ، وإنّما يرد عليهم عدم اعتبار هذه الظنون ، إذ لا دليل على حجيتها لو لا الدليل على إلغائها.
وكذا الحال في نزاع المحدثين مع الأصوليين ، لعدم كون النزاع في لزوم تحصيل الحجة ، لالتزام الكل به ، وإنّما هو في مصداق الحجة ، كما سيأتي «إن شاء الله تعالى».
(١) غرضه الاستشهاد على أنّ أخذ الظن في تعريف الاجتهاد يكون لأجل كونه مصداق الحجة ، لا لموضوعيته بالخصوص في الاجتهاد حتى لا يكون الاستنباط المؤدّي إلى العلم بالحكم الشرعي اجتهادا مصطلحا ، فالمناط كله تحصيل الحجة سواء كان علما أم ظنا أم غيرهما.